الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ، قوله كذلك : نعت لمصدر أي : البدن لكم تسخيرا كذلك أي : مثل ذلك التسخير الذي تشاهدون أي : ذللناها لكم ، وجعلناها منقادة لكم تفعلون بها ما شئتم من نحر وركوب ، وحلب وغير ذلك من المنافع ، ولولا أن الله ذللها لكم لم تقدروا عليها ; لأنها أقوى منكم ألا ترى البعير ، إذا توحش صار صاحبه غير قادر عليه ، ولا متمكن من الانتفاع به ، وقوله هنا : لعلكم تشكرون قد قدمنا مرارا أن لعل تأتي في القرآن لمعان أقربها ، اثنان : أحدهما : أنها بمعناها الأصلي ، الذي هو الترجي والتوقع ، وعلى هذا فالمراد بذلك خصوص الخلق ; لأنهم هم الذين يترجى منهم شكر النعم من غير قطع ، بأنهم يشكرونها أو لا ينكرونها لعدم علمهم بما تؤول إليه الأمور ، وليس هذا المعنى في حق الله تعالى ; لأنه عالم بما سيكون فلا يجوز في حقه - جل وعلا - إطلاق الترجي والتوقع لتنزيهه عن ذلك ، وإحاطة علمه بما ينكشف عنه الغيب ، وقد قال تعالى لموسى وهارون : فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [ 20 \ 44 ] أي على رجائكما وتوقعكما أنه يتذكر أو يخشى ، مع أن الله عالم في سابق أزله أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى ، فمعنى لعل بالنسبة إلى الخلق ، لا إلى الخالق - جل وعلا - ، المعنى الثاني : هو ما قدمنا من أن بعض أهل العلم ، قال : كل لعل في القرآن فهي للتعليل إلا التي في سورة الشعراء وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون [ 26 \ 129 ] قال : فهي بمعنى : كأنكم تخلدون ، وإتيان لفظة لعل للتعليل معروف في كلام العرب ، وقد قدمناه موضحا مرارا وقد قدمنا من شواهده العربية قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا نكف ووثقتم لنا كل موثق



                                                                                                                                                                                                                                      يعني كفوا الحروب لأجل أن نكف ، وإذا علمت أن هذه الآية الكريمة بين الله فيها أن تسخيره الأنعام لبني آدم نعمة من إنعامه ، تستوجب الشكر لقوله : لعلكم تخلدون .

                                                                                                                                                                                                                                      فاعلم : أنه بين هذا في غير هذا الموضع كقوله تعالى [ ص: 261 ] أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون [ 22 \ 36 ] وقوله في آية " يس " : هذه : أفلا يشكرون كقوله في آية " الحج " : لعلكم تشكرون ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى قريبا : كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم الآية [ 22 \ 37 ] ، وقد قدمنا معنى شكر العبد لربه وشكر الرب لعبده ، مرارا بما أغنى عن إعادته هنا والتسخير : التذليل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية