الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 449 ] المسألة السابعة عشرة : في حكم ما لو قال لرجل : يا زانية بتاء الفرق ، أو قال لامرأة : يا زاني ، بلا تاء ، قال ابن قدامة في " المغني " : هو قذف صريح لكل منهما ، قال : واختار هذا أبو بكر ، وهو مذهب الشافعي ، واختار ابن حامد أنه ليس بقذف إلا أن يفسره به ، وهو قول أبي حنيفة ; لأنه يحتمل أن يريد بقوله : يا زانية ، أي : يا علامة في الزنا ; كما يقال للعالم : علامة ، ولكثير الرواية : راوية ، ولكثير الحفظ : حفظة ، ولنا أن ما كان قذفا لأحد الجنسين كان قذفا للآخر ; كقوله : زنيت بفتح التاء وكسرها لهما جميعا ، ولأن هذا اللفظ خطاب لهما وإشارة إليهما بلفظ الزنا ، وذلك يغني عن التمييز بتاء التأنيث وحذفها ، ولذلك لو قال للمرأة : يا شخصا زانيا ، وللرجل : يا نسمة زانية ، كان قاذفا ، وقولهم : إنه يريد بذلك أنه علامة في الزنا لا يصح فإنما كان اسما للفعل ، إذا دخلته الهاء كانت للمبالغة ; كقولهم : حفظة للمبالغ في الحفظ ، وراوية للمبالغ في الرواية ، وكذلك همزة لمزة وصرعة ; ولأن كثيرا من الناس يذكر المؤنث ويؤنث المذكر ، ولا يخرج بذلك عن كون المخاطب به مرادا بما يراد باللفظ الصحيح ، انتهى كلام صاحب " المغني " .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أظهر القولين عندي فيمن قال لذكر : يا زانية بصيغة التأنيث ، أو قال لامرأة : يا زاني بصيغة التذكير ، أنه يلزمه الحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وإيضاحه أن القاذف بالعبارتين المذكورتين لا يخلو من أحد أمرين ، إما أن يكون عاميا لا يعرف العربية ، أو يكون له علم باللغة العربية ، فإن كان عاميا فقد يكون غير عالم بالفرق بين العبارتين ، ونداؤه للشخص بلفظ الزنى ظاهر في قصده قذفه .

                                                                                                                                                                                                                                      وإن كان عالما باللغة ، فالله يكثر فيها إطلاق وصف الذكر على الأنثى باعتبار كونها شخصا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قدمنا بعض أمثلة ذلك في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله : وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ 16 \ 14 ] ، ومما ذكرنا من الشواهد هناك قول حسان - رضي الله عنه - :

                                                                                                                                                                                                                                      منع النوم بالعشاء الهموم وخيال إذا تغار النجوم     من حبيب أصاب قلبك منه
                                                                                                                                                                                                                                      سقم فهو داخل مكتوم



                                                                                                                                                                                                                                      ومراده بالحبيب أنثى ، بدليل قوله بعده :


                                                                                                                                                                                                                                      لم تفتها شمس النهار بشيء     غير أن الشباب ليس يدوم



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 450 ] وقول كثير :


                                                                                                                                                                                                                                      لئن كان يرد الماء هيمان صاديا     إلي حبيبا إنها لحبيب



                                                                                                                                                                                                                                      ومن أمثلة ذلك قول مليح بن الحكم الهذلي :


                                                                                                                                                                                                                                      ولكن ليلى أهلكتني بقولها     نعم ثم ليلى الماطل المتبلح



                                                                                                                                                                                                                                      يعني ليلى الشخص الماطل المتبلح .

                                                                                                                                                                                                                                      وقول عروة بن حزام العذري :

                                                                                                                                                                                                                                      وعفراء أرجى الناس عندي مودة     وعفراء عني المعرض المتواني



                                                                                                                                                                                                                                      أي : الشخص المعرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا كثر في كلام العرب تذكير وصف الأنثى باعتبار الشخص كما رأيت أمثلته ، فكذلك لا مانع من تأنيثهم صفة الذكر باعتبار النسمة أو النفس ، وورود ذلك لتأنيث اللفظ مع تذكير المعنى معروف ; كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      أبوك خليفة ولدته أخرى     وأنت خليفة ذاك الكمال



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية