الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      اعلم أن مالكا وأصحابه يشترط عندهم زيادة على أداء شهود الزنى شهادتهم في وقت واحد ، أن يكونوا شاهدين على فعل واحد ، فلو اجتمعوا ونظر واحد بعد واحد ، لم تصح شهادتهم على الأصح من مذهب مالك ; لاحتمال تعدد الوطء وأن يكون الزاني نزع فرجه من فرجها بعد رؤية الأول ، ورأى الثاني إيلاجا آخر غير الإيلاج الذي رآه من قبله ; لأن الأفعال لا يضم بعضها إلى بعض في الشهادة عندهم ، ومتى لم تقبل شهادتهم حدوا حد القذف ، ومشهور مذهب مالك أيضا : وجوب تفرقتهم ، أعني شهود الزنى خاصة ، دون غيرهم من سائر الشهود .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعناه عندهم : أنه لا بد من إتيانهم مجتمعين ، فإذا جاءوا مجتمعين فرق بينهم عند أداء الشهادة فيسأل كل واحد منهم دون حضرة الآخرين ، ويشهد كل واحد منهم ، أنه رآه أدخل فرجه في فرجها ، أو أولجه فيه ، ولا بد عندهم من زيادة كالمرود في المكحلة ونحوه ، ويجوز للشهود النظر إلى عورة الزانيين ، ليمكنهم أن يؤدوا الشهادة على وجهها ، ولا إثم عليهم في ذلك ، ولا يقدح في شهادتهم ; لأنه وسيلة إقامة حد من حدود الله ، ومحل هذا إن كانوا أربعة ، فإن كانوا أقل من أربعة لم يجز لهم النظر إلى عورة الزاني إذ لا فائدة في شهادتهم ; ولأنهم يجلدون حد القذف .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض المالكية : لا يجوز لهم النظر إلى عورات الزناة ، ولو كانوا أربعة ، لما نبه عليه الشرع من استحسان الستر ، ويندب للحاكم عند المالكية سؤال الشهود في الزنى عما ليس شرطا في صحة الشهادة ، كأن يقول لكل واحد من الشهود بانفراده دون حضرة الآخرين : على أي حال رأيتهما وقت زناهما ، وهل كانت المرأة على جنبها الأيمن ، أو الأيسر ، أو على بطنها ، أو على قفاها ، وفي أي جوانب البيت ونحو ذلك ، فإن اختلفوا بأن قال أحدهم : كانت على قفاها ، وقال الآخر : كانت على جنبها الأيمن ونحو ذلك بطلت شهادتهم ; لدلالة اختلافهم على كذبهم ، وكذلك إن اختلفوا في جانب البيت الذي وقع فيه الزنى .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا شك أن مثل هذا السؤال أحوط في الدفع عن أعراض المسلمين ; لأنهم إن كانوا [ ص: 379 ] صادقين لم يختلفوا ، وإن كانوا كاذبين علم كذبهم باختلافهم ، وقد قدمنا ما يستأنس به لتفرقة شهود الزنى ، وسؤالهم متفرقين في قصة سليمان وداود في المرأة التي شهد عليها أربعة ، أنها زنت بكلبها فرجمها داود فجاء سليمان بالصبيان ، وجعل منهم شهودا ، وفرقهم وسألهم متفرقين عن لون الكلب الذي زنت به ، فأخبر كل واحد منهم بلون غير اللون الذي أخبر به الآخر ، فأرسل داود للشهود ، وفرقهم وسألهم متفرقين عن لون الكلب الذي زنت به ، فاختلفوا في لونه ; كما تقدم إيضاحه .

                                                                                                                                                                                                                                      واعلم أن كل ما يثبت به الرجم يثبت به الجلد فطريق ثبوتهما متحدة لا فرق بينهما ، كما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية