الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5733 6083 - حدثنا محمد بن صباح، حدثنا إسماعيل بن زكرياء، حدثنا عاصم قال: قلت لأنس بن مالك: أبلغك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حلف في الإسلام"؟. فقال: قد حالف النبي - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار في داري. [انظر: 2294 - مسلم: 2529 - فتح: 10 \ 1051]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              سلفا مسندين ، وقد أسند الثاني هنا من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قدم علينا عبد الرحمن، فآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عاصم: قلت لأنس: أبلغك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حلف في الإسلام؟ ". فقال: قد حالف النبي - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار في داري.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار أول قدومه المدينة، وحالف بينهم، وقد عقد البخاري بابا قبل الغزوات وأوضحناه هناك، وكانوا يتوارثون بذلك الإخاء والحلف دون ذوي الرحم، قال سعيد بن جبير: وقد عاقد أبو بكر رجلا فورثه. قال الحسن: كان هذا قبل آية

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 445 ] المواريث، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك. قال ابن عباس: فلما نزلت: ولكل جعلنا موالي [النساء: 33] يعني: ورثة، نسخت. ثم قال: والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم [النساء: 33] يعني: من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث قال الطبري: ولا يجوز الحلف اليوم في الإسلام; لحديث جبير بن مطعم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة" .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عباس: نسخ الله حلف الجاهلية وحلف الإسلام بقوله: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [الأنفال: 75]، ورد المواريث إلى القرابات.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى: "وما كان من حلف .. " إلى آخره قيل: الذي أمر (به النبي) - عليه السلام - (بالوفاء به) ، من ذلك هو ما لم ينسخه الإسلام، ولم يبطله حكم القرآن، وهو التعاون على الحق والنصرة على الأخذ على يد الظالم الباغي.

                                                                                                                                                                                                                              وصفة الحلف في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل والقبيل للقبيل: دمي دمك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، ويشترط النصر والرفادة. ويقال: إن الحليف كان يرث السدس ممن يحالفه حتى نزلت: وأولو الأرحام الآية .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 446 ] وكان الإخاء بغير أيمان، وكانوا يتوارثون به إذا لم يكن للمهاجر من ورثة من أهل الهجرة بالنسب، وارث ممن آخاه، قال تعالى: والذين آمنوا ولم يهاجروا [الأنفال: 72] الآية، ثم نسخ بأولي الأرحام .

                                                                                                                                                                                                                              وسمي الحليف; لأنهم كانوا يتحالفون على ذلك، هذا قول الداودي. وقال الجوهري في الحديث: أنه - عليه السلام - حالف بين قريش والأنصار وآخى بينهم; لأنه لا حلف في الإسلام. قال: والحلف بالكسر: العهد يكون بين القوم . وتأول أنس أن حالف: من اليمين، ومصدر حلف بمعنى: أقسم بفتح الحاء وكسرها. وذكر الخطابي عن سفيان بن عيينة قال: فسر العلماء حالف أي: آخى، وهذا هو الصحيح ; لثبوت الخبر: "لا حلف في الإسلام" وإنما كانوا يتحالفون في الجاهلية، لاختلافهم،

                                                                                                                                                                                                                              وأما اليوم فقد ألف الله كلمة الإسلام فلا يفتقرون إلى تحالف، وكذا قال (الجوهري) .



                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية