الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 568 ] فصل :

        الأولى أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو علمه أو غيره ، وقيل : يكره أن يحدث في بلد فيه أولى منه ، وينبغي له إذا طلب منه ما يعلمه عند أرجح منه أن يرشد إليه ؛ فالدين النصيحة .

        ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فإنه يرجى صحتها ، وليحرص على نشره مبتغيا جزيل أجره .

        التالي السابق


        ( فصل :

        الأولى أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو علمه ، أو غيره ) . كأنه يكون أعلى سندا ، أو سماعه متصلا وفي طريقه هو إجازة ، ونحو ذلك .

        [ ص: 569 ] فقد كان إبراهيم النخعي لا يتكلم بحضرة الشعبي بشيء .

        ( وقيل ) أبلغ من ذلك ( يكره أن يحدث في بلد فيه أولى منه ) .

        فقد قال يحيى بن معين : إن من فعل ذلك فهو أحمق .

        ( وينبغي له إذا طلب منه ما يعلمه عند أرجح منه أن يرشد إليه ؛ فالدين النصيحة ) .

        قال في " الاقتراح " : ينبغي أن يكون هذا عند الاستواء ، فيما عدا الصفة المرجحة ، أما مع التفاوت بأن يكون الأعلى إسنادا عاميا ، والأنزل عارف ضابط فقد يتوقف في الإرشاد إليه ، لأنه قد يكون في الرواية عنه ما يوجب خللا .

        قلت : الصواب إطلاق أن التحديث بحضرة الأولى ليس بمكروه ، ولا خلاف الأولى ، فقد استنبط العلماء من حديث : إن ابني كان عسيفا الحديث ، وقوله : سألت أهل العلم فأخبروني أن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي بلده .

        وقد عقد محمد بن سعد في " الطبقات " بابا لذلك ، وأخرج بأسانيد فيها الواقدي أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، كانوا يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

        وروى البيهقي في " المدخل " بسند صحيح ، عن ابن عباس ؛ أنه قال لسعيد بن [ ص: 570 ] جبير : حدث ، قال : أحدث وأنت شاهد ، قال : أوليس من نعم الله عليك أن تحدث وأنا شاهد ؛ فإن أخطأت علمتك .

        تنبيه

        إذا كانت جماعة مشتركين في سماع ؛ فالإسماع منهم فرض كفاية ، ولو طلب من أحدهم فامتنع لم يأثم ، فإن انحصر فيه أثم .

        ( ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية ؛ فإنه يرجى ) له ( صحتها ) بعد ذلك .

        قال معمر وحبيب بن أبي ثابت : طلبنا الحديث وما لنا فيه نية ، ثم رزق الله النية بعد .

        وقال معمر : إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله .

        وقال الثوري : ما كان في الناس أفضل من طلب الحديث ؛ فقيل : يطلبونه بغير نية ؟ فقال : طلبهم إياه نية .

        ( وليحرص على نشره مبتغيا جزيل أجره ) ؛ فقد كان في السلف من يتألف الناس [ ص: 571 ] على حديثه ، منهم عروة بن الزبير .

        ومن الأحاديث الواردة في فضل نشر الحديث والعلم : حديث الصحيحين : " بلغوا عني - ليبلغ الشاهد الغائب " .

        وحديث : " من أدى إلى أمتي حديثا واحدا يقيم به سنة أو يرد به بدعة فله الجنة " ، رواه الحاكم في الأربعين .

        وحديث البيهقي عن أبي ذر : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نغلب على ثلاث : أن نأمر بالمعروف ، وننهى عن المنكر ، ونعلم الناس السنن " .




        الخدمات العلمية