الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 521 ] التاسعة : ينبغي أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ ونسبه وكنيته ثم يسوق المسموع ، ويكتب فوق البسملة أسماء السامعين ، وتاريخ السماع ، أو يكتبه في حاشية أول ورقة أو آخر الكتاب ، أو حيث لا يخفى منه ، وينبغي أن يكون بخط ثقة معروف الخط ، ولا بأس عند هذا بأن لا يصحح الشيخ عليه ، ولا بأس أن يكتب سماعه بخط نفسه إذا كان ثقة كما فعله الثقات ، وعلى كاتب التسميع التحري وبيان السامع والمسمع والمسموع بلفظ وجيز غير محتمل ومجانبة التساهل فيمن يثبته ، والحذر من إسقاط بعضهم لغرض فاسد ، فإن لم يحضر فله أن يعتمد في حضورهم خبر ثقة حضر ، ومن ثبت في كتابه سماع غيره فقبيح به كتمانه ومنعه نقل سماعه منه أو نسخ الكتاب ، وإذا أعاره فلا يبطئ عليه ، فإن منعه ، فإن كان سماعه مثبتا برضا صاحب الكتاب لزمه إعارته وإلا فلا ، كذا قاله أئمة مذاهبهم في أزمانهم ، منهم القاضي حفص بن غياث الحنفي ، وإسماعيل القاضي المالكي وأبو عبد الله الزبيري الشافعي ، وحكم به القاضيان ، وخالف فيه بعضهم ، والصواب الأول ، فإذا نسخه فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية ، ولا ينقل سماع إلى نسخة إلا بعد مقابلة مرضية إلا أن يبين كونها غير مقابلة .

        التالي السابق


        ( التاسعة : ينبغي ) في كتابة التسميع ( أن يكتب ) الطالب ( بعد البسملة اسم الشيخ ) المسمع ( ونسبه وكنيته ) .

        [ ص: 522 ] قال الخطيب : وصورة ذلك حدثنا أبو فلان فلان بن فلان الفلاني ، قال : حدثنا فلان ( ثم يسوق المسموع ) على لفظه .

        ( ويكتب فوق البسملة أسماء السامعين ) ، وأنسابهم ( وتاريخ ) وقت ( السماع أو يكتبه في حاشية أو ورقة ) من الكتاب ( أو آخر الكتاب ، أو ) موضع آخر ( حيث لا يخفى منه ) والأول أحوط .

        قال الخطيب : وإن كان السماع في مجالس عدة كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ .

        ( وينبغي أن يكون ) ذلك ( بخط ثقة معروف الخط ، ولا بأس ) عليه ( عند هذا ، بأن لا يصحح الشيخ عليه ) أي لا يحتاج حينئذ إلى كتابة الشيخ خطه بالتصحيح .

        ( ولا بأس أن يكتب سماعه بخط نفسه إذا كان ثقة كما فعله الثقات ) .

        قال ابن الصلاح : وقد قرأ عبد الرحمن بن منده جزءا على أبي أحمد [ ص: 523 ] الفرضي وسأله خطه ليكون حجة له ، فقال له ، يا بني عليك بالصدق فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد وتصدق فيما تقول وتنقل ، وإذا كان غير ذلك ، فلو قيل لك ما هذا خط الفرضي ماذا تقول لهم ؟

        ( وعلى كاتب التسميع التحري ) في ذلك والاحتياط ، ( وبيان السامع والمسمع والمسموع بلفظ غير محتمل ، ومجانبة التساهل فيمن يثبته والحذر من إسقاط بعضهم ) أي السامعين ( لغرض فاسد ) ، فإن ذلك مما يؤديه إلى عدم انتفاعه بما سمع .

        ( فإن لم يحضر ) مثبت السماع ما سمع ، ( فله أن يعتمد ) في إثباته ( في حضورهم ) على ( خبر ثقة حضر ) ذلك .

        ( ومن ثبت في كتابه سماع غيره فقبيح به كتمانه ) إياه ، ( ومنعه نقل سماعه ) منه ، ( أو نسخ الكتاب ) ، فقد قال وكيع : أول بركة الحديث إعارة الكتب .

        وقال سفيان : الثوري : من بخل بالعلم ابتلي بإحدى ثلاث : أن ينساه ، أو يموت ولا ينتفع به ، أو تذهب كتبه .

        [ ص: 524 ] قلت : وقد ذم الله تعالى في كتابه مانع العارية بقوله : ويمنعون الماعون ( الماعون : 7 ) ، وإعارة الكتب أهم من الماعون .

        ( وإذا أعاره فلا يبطئ عليه ) بكتابه إلا بقدر حاجته .

        قال الزهري : إياك وغلول الكتب ، وهو حبسها عن أصحابها ، وقال الفضيل : ليس من فعال أهل الورع ولا من فعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل وكتبه فيحبسه عنه ، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه .

        ( فإن منعه ) إعارته ( فإن كان سماعه مثبتا ) فيه ( برضا صاحب الكتاب ) ، أو بخطه ( لزمه إعارته وإلا فلا ، كذا قاله أئمة مذاهبهم في أزمانهم منهم القاضي حفص بن غياث الحنفي ) من الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة ( وإسماعيل ) بن إسحاق ( القاضي المالكي إمام أصحاب مالك ( وأبو عبيد الله الزبيري الشافعي ، وحكم به القاضيان ) الأولان .

        أما حكم حفص : فروى الرامهرمزي ، أن رجلا ادعى على رجل بالكوفة سماعا [ ص: 525 ] منعه إياه ، فتحاكما إليه ، فقال لصاحب الكتاب : أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك ، وما كان بخطه أعفيناك منه .

        قال الرامهرمزي : فسألت أبا عبد الله الزبيري عن هذا فقال : لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا ; لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه .

        وأما حكم إسماعيل ، فروى الخطيب أنه تحوكم إليه في ذلك فأطرق مليا ثم قال للمدعي عليه : إن كان سماعه في كتابك بخط يدك فيلزمك أن تغيره .

        ( وخالف فيه بعضهم والصواب الأول ) وهو الوجوب .

        قال ابن الصلاح : قد تعاضدت أقوال هذه الأئمة في ذلك ، ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه ، قال : وقد كان لا يبين له وجهه ، ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده ، فعليه أداؤها بما حوته ، وإن كان فيه بذل ماله كما يلزم متحمل الشهادة أداؤها ، وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها .

        وقال البلقيني ، عندي في توجيهه غير هذا ، وهو أن مثل هذا من المصالح العامة التي يحتاج إليها ، مع حصول علقة بين المحتاج والمحتاج إليه ، تقضي إلزامه بإسعافه في مقصده .

        قال وأصله إعارة الجدار لوضع جذوع الجار عليه ، وقد ثبت ذلك في الصحيحين ، وقال بوجوب ذلك جمع من العلماء ، وهو أحد قولي الشافعي ، فإذا كان يلزم الجار بالعارية مع دوام الجذوع في الغالب ، فلأن يلزم صاحب الكتاب مع عدم دوام العارية أولى .

        ( فإذا نسخه فلا ينقل سماعه إلى نسخته ) ، أي لا يثبته عليها ( إلا بعد المقابلة المرضية ، و ) كذا ( لا ينقل سماع ) ما ( إلى نسخة ، إلا بعد مقابلة مرضية ) ; لئلا يغتر بتلك النسخة ، ( إلا أن يبين كونها غير مقابلة ) على ما تقدم .




        الخدمات العلمية