الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فيحرم بنية صلاة الكسوف ) مع تعيين أنه كسوف شمس ، أو قمر نظير ما مر في أنه لا بد من نية صلاة عيد الفطر أو النحر ، ونص على ذلك هنا لندرة هذه الصلاة وإلا فقد علم مما مر في صفة الصلاة ( ويقرأ ) بعد الافتتاح والتعوذ ( الفاتحة ويركع ، ثم يرفع ) رأسه من الركوع ( ثم يعتدل ، ثم يقرأ الفاتحة ) ثانيا ( ثم يركع ) ثانيا أقصر من الأول ( ثم يعتدل ) ثانيا قائلا فيهما سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد كما في الروضة ، وهو المعتمد خلافا للماوردي في أنه لا يقول ذلك في الرفع الأول بل يرفع مكبرا ; لأنه ليس اعتدالا ، ( ثم يسجد ) السجدتين ويأتي بالطمأنينة في محالها ( فهذه ركعة ، ثم يصلي ) ركعة ( ثانية كذلك ) للاتباع ( ولا يجوز زيادة ركوع ثالث ) فأكثر ( لتمادي ) أي طول مكث ( الكسوف ولا نقصه ) أي نقص ركوع من الركوعين المنويين ( للانجلاء في الأصح ) كما في سائر الصلوات حيث لا يزاد على أركانها ولا ينقص منها ، ومقابل الأصح [ ص: 404 ] يزاد وينقص ، أما الزيادة { فلأنه عليه الصلاة والسلام صلى ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات } رواه مسلم وفيه أربع ركوعات أيضا ، وفي رواية : خمس ركوعات ، ولا محل للجمع بين الروايات إلا الحمل على الزيادة لتمادي الكسوف .

                                                                                                                            قال في المجموع : وأجاب الجمهور بأن أحاديث الركوعين أصح وأشهر فقدمت على بقية الروايات ، وبأن أحاديثنا محمولة على الاستحباب والحديثين على بيان الجواز ، قال : ففيه تصريح بأنه لو صلاها ركعتين [ ص: 405 ] كسنة الظهر ونحوها صحت صلاته وكان تاركا للأفضل انتهى . قال في التوشيح : ويظهر أن يقال الركعتان بهذه الكيفية أدنى الكمال المأتي به بخاصية صلاة الكسوف وبدونها يؤدي أصل سنة الكسوف فقط ، وتبعه العراقي .

                                                                                                                            قال بعضهم : صلاة الكسوف لها كيفيتان مشروعتان : الأولى وهي الكاملة هي ذات الركوعين ، فإذا أحرم بالكيفية الكاملة لم تجز الزيادة على الركوعين ولا النقص على الأصح ; لأن الزيادة والنقص إنما تكون في النفل المطلق وهذا نفل مقيد فأشبه ما إذا نوى الوتر إحدى عشرة ركعة ، أو تسعا ، أو سبعا فإنه لا تجوز الزيادة ولا النقص .

                                                                                                                            الثانية أن يصليها ركعتين كركعتي الجمعة والعيدين وينويها كذلك ، فيتأدى بها أصل السنة كما يتأدى أصل الوتر بركعة ، وحينئذ ما اقتضاه كلام المنهاج والروضة تبعا للرافعي وكلام شرح المهذب الأول من المنع محمول على من نوى الأكمل فلا يجوز له الاقتصار على الأقل ، وما اقتضاه كلام شرح المهذب الثاني من الجواز محمول على ما إذا نواها ركعتين ا هـ .

                                                                                                                            وما نقل عن بعضهم جار على القواعد ، وأفتى الوالد رحمه الله تعالى بجواز الأمرين لمن نوى صلاة الكسوف وأطلق ، وعلم مما تقرر امتناع تكريرها لبطء الانجلاء وما خبر النعمان الدال على جوازه وهو { أنه صلى الله عليه وسلم جعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها هل انجلت } رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح [ ص: 406 ] فأجاب عنه الوالد رحمه الله تعالى بأنه يحتمل أن ما صلاه بعد الركعتين لم ينو به الكسوف ، فإن وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال . نعم لو صلاها وحده ثم أدركها مع الإمام صلاها كما في المكتوبة ، نقله في المجموع عن نص الأم ، قاله الأذرعي ، وقضيته أنه لا فرق بين إدراكه قبل الانجلاء وإدراكه بعده ، ولعله أراد الأول وإلا فهو افتتاح صلاة كسوف بعد الانجلاء .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فقد علم مما مر ) فيه رد لقول الشيخ عميرة هذه مسألة مكررة في الكتاب ( قوله : ربنا لك الحمد ) أي إلى آخر ذكر الاعتدال ا هـ محلي وحج . أقول : وينبغي أن يأتي فيه ما تقدم من التفصيل بين المنفرد وإمام غير محصورين إلخ ; لأن هذا لم يرد بخصوصه ، بخلاف تكرير الركوع وتطويل القراءة فلا يتوقف على رضا المأمومين لوروده ( قوله : لا يقول ذلك في الرفع الأول ) أي في كل من الركعتين كما يقتضيه قوله ; لأنه ليس اعتدالا وقوله بل يرفع مكبرا . قال الشيخ عميرة : ونقله الماوردي عن النص .

                                                                                                                            [ فرع ] لو اقتدى بإمام لا يعرف الكيفية التي نواها أهي كسنة الظهر أم بقيامين وركوعين فيحتمل وهو الظاهر عدم انعقاد صلاته لتردده في النية حالة الإحرام وهو المعتمد ، ويحتمل انعقادها مطلقة ثم ينظر ماذا يفعله الإمام فيتبعه فيه ، وعلى هذا لو بطلت صلاة إمامه أو اقتدى به في التشهد فهل تبطل صلاته لتعذر العلم بما يفعله أو تبقى على الصحة ويتخير ؟ فيه نظر ، ولا يبعد الثاني هذا وسيأتي عن سم أن الأقرب صحة النية وبطلان صلاته إذا بطلت صلاة إمامه ولم يعلم ما نواه .

                                                                                                                            [ فرع آخر ] لو نذر أن يصليها كسنة الظهر تعين فعلها كذلك .

                                                                                                                            [ فرع آخر ] لو نذر صلاة الكسوف وأطلق فهل تحمل على الكيفية الكاملة أو الأقل أو ينعقد نذره مطلقا ويخرج من العهدة بكل من الكيفيات الثلاث ؟ فيه نظر ، والظاهر الثالث كما لو نذر صدقة أو صوما أو نحوهما فإنه يخرج في كل عن عهدة النذر بأقل ما ينطلق عليه الاسم وبما زاد عليه ، ثم رأيت في سم على بهجة ما نصه : قوله إذا شرع فيها بنية هذه الزيادة ، لكن أفتى شيخنا الشهاب الرملي بأنه إذا أطلق انعقدت على الإطلاق ويخير بين أن [ ص: 404 ] يصليها كسنة الظهر وأن يصليها بالكيفية المعروفة ، وأفتى بأنه لو أطلق نية الوتر انحطت على ثلاث ; لأنها أقل الكمال فيه ا هـ . وجزم بعضهم : أي وهو حج بأنه إذا أطلق فعلها كسنة الظهر وإنما يزيد إن نواها بصفة الكمال ، ويؤخذ مما أفتى به شيخنا صحة إطلاق المأموم نية الكسوف خلف من جهل هل نواه كسنة الظهر أو بالكيفية المشهورة المعروفة ; لأن إطلاق النية صالح لكل منهما ، وينحط على ما قصده الإمام أو اختاره بعد إطلاقه منهما لوجوب تبعيته له ، وإن بطلت صلاة الإمام أو فارقه عقب الإحرام وجهل ما قصده واختاره فيتجه البطلان ، ويمكن أن يفرق بين ما أفتى به في الكسوف وفي الوتر باستواء الصلاتين في الأول في عدد الركعات وإن اختلفت في الصفة بخلاف الثاني ، وإذا أطلق المأموم نيته خلف من قصد الكيفية المعروفة وقلنا بصحة ذلك كما هو قضية فتوى شيخنا وأراد المأموم مفارقة الإمام قبل الركوع وأن يصليها كسنة الظهر فهل يصح ذلك ؟ فيه نظر والصحة محتملة وإن امتنع عليه فعلها كسنة الظهر ما دام في القدوة ، ويحتمل المنع وهو المعتمد ، وأن نيته خلف من نوى الكيفية المعروفة تنحط على الكيفية المعروفة فليس له الخروج عنها وإن فارق ا هـ ( قوله : وفيه ) أي مسلم ( قوله : وبأن أحاديثنا ) أي التي استدللنا بها ( قوله : والحديثين إلخ ) هما قوله ثلاث ركوعات وقوله وفيه أربع إلخ ، هذا وليتأمل قوله والحديثين إلخ مع قول المصنف ولا يجوز زيادة ركوع إلخ ، ويمكن الجواب بأنه مبني على المرجوح ، وعبارة سم على منهج نصها : قوله ويحملها على الجواز . قال عميرة : هذا لم يذكره الجلال المحلي وغيره إلا في حديث الركعتين كسنة الظهر ا هـ .

                                                                                                                            قال م ر : هذا ذكره في شرح مسلم والمذهب خلافه ا هـ . وفي حج نقل في شرح مسلم عن ابن المنذر وغيره أنه يجوز فعلها على كل واحد من الأنواع الثابتة ; لأنها جرت في أوقات والاختلاف محمول على جواز الجميع ، قال : وهذا أقوى ا هـ . وفي شرح الروض : وعلى ما مر من تعدد الواقعة الأولى أن يجاب بحملها على ما إذا أنشأ الصلاة [ ص: 405 ] بنية تلك الزيادة كما أشار إليه السبكي وغيره ا هـ . وعليه فلا يرد أن قوله والحديثين على بيان الجواز مخالف لقول المصنف ولا تجوز زيادة إلخ ; لأن ما في المتن مصور بما إذا نواها بركوعين ، وهذا محمول على ما إذا نواها ابتداء بثلاث ركوعات فلا تخالف ، ومع ذلك فالمذهب خلافه ( قوله : قال في التوشيح ) أي التاج بن السبكي ( قوله : كركعتي الجمعة والعيدين ) أي في أن كل ركعة بركوع ( قوله : وكلام شرح المهذب الأول ) هو قوله قال في المجموع وأجاب إلخ ، والثاني قوله صحت صلاته ( قوله وما نقل عن بعضهم ) أي مما لم يتقدم في كلامه ، أو المراد ما نقل عن بعضهم من قوله قال بعضهم إلخ ، وفي نسخة وما نقل عن بعضهم جار على القواعد وأفتى الوالد إلخ ( قوله : لمن نوى صلاة الكسوف وأطلق ) وخرج بذلك ما لو نوى واحدا لا بعينه فإنه لا تنعقد صلاته لتردده في النية . وقال سم على حج : وإذا أطلق وقلنا بما أفتى له شيخنا فهل يتعين لإحدى الكيفيتين بمجرد القصد إليها بعد إطلاق النية أو لا بد من الشروع فيها في تعيينها بأن يكرر الركوع في الركعة الأولى ، بل بأن يشرع في القراءة بعد اعتداله من الركوع الأول من الركعة الأولى بقصد تلك الكيفية ؟ فيه نظر ، ويتجه الثاني ا هـ . أقول : ولو قيل بالأول بل هو الظاهر وينصرف بمجرد القصد والإرادة لما عينه لم يبعد قياسا على ما لو أحرم بالحج وأطلق فيصح وينصرف لما صرفه إليه بمجرد القضاء والإرادة ولا يتوقف على الشروع في الأعمال وعلى ما لو نوى نفلا فيزيد وينقص بمجرد القصد والإرادة وعبارته على منهج : فرع مشى م ر على أنه إذا أطلق نية الكسوف ولم يقصد في نيته أن يكون كسنة الظهر ولا على الهيئة الكاملة انعقدت على الإطلاق وله فعلها كسنة الظهر وبالهيئة الكاملة ، وفرق بين التخيير هنا وبين ما مشى عليه فيما إذا أطلق نية الوتر أنه ينعقد على الثلاث بأن الكيفيتين هنا سواء في عدد الركعات وإنما اختلفا في الصفة ولا كذلك هناك . وأقول : قد يتجه انعقادها بالهيئة الكاملة ; لأنها الأصل والفاضلة ا هـ ( قوله : [ ص: 406 ] كساها ثوب الإجمال ) أي صيرها مجملة وهو لا يستدل به ( قوله ولعله أراد الأول ) هو قوله إدراكه قبل الانجلاء .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 404 ] قوله : قال في المجموع وأجاب الجمهور إلخ ) هنا سقط قبل كلام المجموع في نسخ الشارح ; لأن ما في المجموع إنما هو جواب عن أحاديث النقص لا عن أحاديث الزيادة وإن حسن أول الجوابين لأحاديث الزيادة أيضا ، ويدل على السقط ذكره الاستدلال على الزيادة مقرونا بإما المؤذنة بمقابل لها . والحاصل أنه سقط من نسخ الشارح الجواب عن أحاديث الزيادة والاستدلال لجواز النقص الذي قال به مقابل الأصح ، وعبارة المحلي : والثاني يزاد وينقص ، ثم قال : وما في رواية لمسلم { أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات } ، وفي أخرى له { أربع ركوعات } ، وفي رواية لأبي داود وغيره { خمس ركوعات } ، أجاب الأئمة عنها بأن روايات الركوعين أشهر وأصح فقدمت ، وما في حديثي أبي داود وغيره { أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين } : أي من غير تكرير ركوع كما قال به أبو حنيفة . قال في شرح المهذب : أجاب عنهما أصحابنا بجوابين : أحدهما أن أحاديثنا أشهر وأصح وأكثر رواة . والثاني أنا نحمل أحاديثنا على الاستحباب ، والحديثين على بيان الجواز إلى آخر ما في الشارح . فمراده كالشارح بالحديثين حديثا أبي داود وغيره في النقص ، [ ص: 405 ] وبهذا يندفع ما تمحله الشيخ في الحاشية بناء على أن لا سقط ( قوله : وهي الكاملة ) أي بالمعنى الشامل لأدنى الكمال ولغايته بدليل مقابلته بالركعتين كركعتي الجمعة والعيدين فقط فلا تنافي بينه وبين ما مر عن التوشيح ( قوله : وكلام شرح المهذب الأول ) أي ما نقله من جواب الجمهور الأول بأن أحاديث الركوعين أصح وأشهر . وقوله : وما اقتضاه كلام شرح المهذب الثاني : أي ما نقله عنهم من الجواب الثاني بحمل أحاديثنا على الاستحباب والحديثين [ ص: 406 ] على بيان الجواز .




                                                                                                                            الخدمات العلمية