الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يتخطى ) غير الإمام رقاب الناس ، بل يكره له ذلك كراهة تنزيه كما [ ص: 339 ] في المجموع ، وإن نقل عن النص حرمته ، واختاره في الروضة في الشهادات لما صح { أنه صلى الله عليه وسلم رأى وهو يخطب رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له : اجلس ، فقد آذيت . }

                                                                                                                            ويكره التخطي أيضا في غير مواضع الصلاة من المتحدثات ونحوها ، واقتصارهم على مواضعها جرى على الغالب ، ويحرم أن يقيم أحدا ليجلس مكانه بل يقول تفسحوا للأمر به ، فإن قام الجالس : باختياره وأجلس غيره فيه لم يكره للجالس ولا لمن قام منه إن انتقل إلى مكان أقرب إلى الإمام أو مثله ، وإلا كره إن لم يكن عذر لأن الإيثار بالقرب مكروه ، بخلافه في حظوظ النفس فإنه مطلوب { ويؤثرون على أنفسهم } ولو آثر شخصا أحق بذلك المحل منه لكونه قارئا أو عالما يلي الإمام لعلمه أو يرد عليه إذا غلط فهل يكره أيضا أو لا لكونه مصلحة عامة ؟ الأوجه الثاني ، ويجوز أن يبعث من يقعد له في مكان ليقوم عنه إذا قدم هو ، ولغيره تنحية فرش من بعثه قبل حضوره حيث لم يكن به أحد والجلوس في محله لكنه إن رفعه بيده أو غيرها دخل في ضمانه .

                                                                                                                            نعم ما جرت العادة به من فرش السجادات بالروضة الشريفة ونحوها من الفجر أو طلوع الشمس قبل حضور أصحابها مع تأخرهم إلى الخطبة أو ما يقاربها لا بعد في كراهته ، بل قد يقال بتحريمه لما فيه من تحجير المسجد من غير فائدة عند غلبة الظن بحصول ضرر لمن نحاها وجلس مكانها ويؤيد قولهم : يحرم على المرأة الصوم مع حضور حليلها وإن جاز له وطؤها لأنه يهاب قطع الصوم وإن كان جائزا له ، وبه فارق من بعث من يقعد له لأن للجالس به فائدة وهي إحياء البقعة ، أما الإمام إذا لم يبلغ المحراب أو المنبر إلا به فلا يكره له لاضطراره إليه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا يتخطى غير الإمام ) ومثله : أي الغير بالأولى ما جرت به العادة من التخطي لتفرقة الأجزاء أو تبخير المسجد أو سقي الماء أو السؤال لمن يقرأ في المسجد ، والكراهة من حيث التخطي ، أما السؤال بمجرده فينبغي أن لا كراهة فيه ، بل هو سعي في خير وإعانة عليه ما لم يرغب الحاضرون الذين يتخطاهم في ذلك ، وإلا فلا كراهة أخذا مما يأتي في مسألة تخطي المعظم في النفوس . قال سم على منهج : فإن قلت : ما وجه ترجيح الكراهة على الحرمة مع أن الإيذاء حرام ، وقد قال صلى الله عليه وسلم اجلس فقد آذيت ؟ قلت : ليس كل إيذاء حراما ، وللمتخطي هنا غرض فإن التقدم أفضل ا هـ ( قوله رقاب الناس ) يؤخذ من التعبير بالرقاب أن المراد بالتخطي أن يرفع رجله بحيث تحاذي في تخطيه أعلى منكب الجالس ، وعليه فما يقع من المرور بين الناس ليصل إلى نحو الصف الأول ليس من التخطي بل من خرق الصفوف إن لم يكن ثم فرج [ ص: 339 ] في الصفوف يمشي فيها ( قوله : من المتحدثات ) أي المباحة أو متحدثات الخير على ما مر عن حج ( قوله : ويحرم أن يقيم أحدا ليجلس مكانه ) أي حيث كانوا كلهم ينتظرون الصلاة كما هو الغرض ، أما ما جرت العادة به من إقامة الجالسين في موضع الصف من المصلين جماعة إذا حضرت جماعة بعدهم وأرادوا فعلها فالظاهر أن لا كراهة فيه ولا حرمة ، لأن الجالس ثم مقصر باستمرار الجلوس المؤدي لتفويت الفضيلة على غيره ( قوله : ويجوز أن يبعث ) أي فهو مباح وليس مكروها ولا خلاف الأولى ، بل لو قيل بندبه لكونه وسيلة إلى القرب من الإمام مثلا لم يبعد ( قوله : من يقعد له في مكان إلخ ) ظاهره وإن لم يرد المبعوث حضور الجمعة بل كان عزمه أنه إذا حضر من بعثه انصرف هو من المسجد ، وهو ظاهر لوجود العلة التي فرق بها بينه وبين وضع السجادة ( قوله : لم يكن به أحد ) أي جالس عليه ( قوله بل قد يقال بتحريمه ) معتمد ( قوله : يحرم على المرأة الصوم ) أي صوم النفل وما في معناه من الواجب الموسع ( قوله : أما الإمام ) محترز قوله غير الإمام .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 338 - 339 ] ( قوله : بالروضة الشريفة ) ليست قيدا في الحكم كما هو ظاهر ، بل سائر المساجد حكمها كذلك بدليل قوله بعد : لما فيه من تحجير المسجد من غير فائدة ، وإنما خص الروضة الشريفة ; لأن هذا هو الواقع فيها




                                                                                                                            الخدمات العلمية