الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويكره ) ( وقوف المأموم فردا ) عن صف من جنسه للنهي عنه ، ودليل عدم البطلان ترك أمره عليه الصلاة والسلام لفاعله بالإعادة ، وما ورد في رواية أخرى من الأمر بها محمول على الاستحباب ، لا سيما وقد اعترض تحسين الترمذي وتصحيح ابن حبان لها بقول ابن عبد البر إنه مضطرب ، والبيهقي إنه ضعيف ، ولهذا قال الشافعي : لو ثبت قلت به . ويؤخذ كما قال الشارح من الكراهة فوات فضيلة الجماعة على قياس ما سيأتي في المقارنة ، ويؤخذ من قولهم هنا أيضا أن الأمر بالإعادة للاستحباب أن كل صلاة وقع خلاف أي ليس بشاذ في صحتها تستحب إعادتها ولو منفردا ، وخرج بالجنس غيره كامرأة ولا نساء أو خنثى ولا خناثى فلا كراهة بل يندب كما علم مما مر ( بل يدخل الصف إن وجد سعة ) بفتح السين فيه بأن كان لو دخل فيه وسعه وإن عدمت فرجة ولو وجدها وبينه وبينها صفوف كثيرة خرق جميعها ليدخل تلك الفرجة لأنهم مقصرون بتركها ، ولا يتقيد ذلك بصف أو صفين كما وقع للإسنوي ، ونقله في المهمات عن جمع كثير وعن نصه في الأم فإنه التبس عليه مسألة أخرى ، فإن فرض المسألة التي نقل عنهم فيها في التخطي يوم الجمعة ، والتخطي هو المشي بين القاعدين ، وكلامنا هنا في شق الصفوف وهم قائمون ، وقد صرح المتولي بأنهما مسألتان ، والفرق بينهما أن سد الفرجة التي في الصفوف مصلحة عامة له وللقوم بإتمام صلاته وصلاتهم .

                                                                                                                            فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة كما ورد في الحديث ، بخلاف ترك التخطي فإن الإمام يسن له عدم إحرامه حتى يسوي بين صفوفهم . [ ص: 197 ] نعم إن كان تأخرهم عن سد الفرجة لعذر كوقت الحر بالمسجد الحرام لم يكره لعدم التقصير ، ولو كان عن يمين الإمام محل يسعه وقف فيه ولم يخترق ، ولو عرضت فرجة بعد كمال الصف في أثناء الصلاة فمقتضى تعليلهم بالتقصير عدم الخرق إليها ، ويحتمل غيره ( وإلا ) أي وإن لم يجد سعة ( فليجر ) ندبا في القيام ( شخصا ) من الصف إليه ( بعد الإحرام ) ليصطف معه خروجا من الخلاف ، ومحل ذلك إذا جوز موافقته له وإلا فلا جر بل يمتنع لخوف الفتنة ، وأن يكون حرا لئلا يدخل غيره في ضمانه ، حتى لو جره ظانا حريته فتبين كونه رقيقا دخل في ضمانه كما مرت الإشارة إليه عن إفتاء الوالد رحمه الله تعالى ، وأن يكون الصف أكثر من اثنين لئلا يصير الآخر منفردا ، فإن أمكنه الخرق ليصطف مع الإمام أو كان مكانه يسع أكثر من اثنين فينبغي أن يخرق في الأولى ويجرهما معا في الثانية ، والخرق في الأولى أفضل من الجر ( وليساعده المجرور ) ندبا لينال فضل المعاونة على البر والتقوى ، وذلك يعادل ما فات عليه من الصف .

                                                                                                                            أما الجر قبل الإحرام فمكروه لا حرام كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، فقد [ ص: 198 ] قال القاضي أبو الطيب فيما لو وقف مأموم عن يمين إمامه فجاء آخر فأحرم عن يساره : يكره للثاني أن يجذب الذي عن يمين الإمام قبل إحرامه . قال الروياني : وكلام الأصحاب يدل على أن المأموم يتأخر إلى الثاني قبل الشروع في الصلاة ، والصحيح ما قاله القاضي أبو الطيب ا هـ . بل أنكر ابن الأستاذ كون الجذب بعد التحرم وقال : وافق الرافعي على نقله الفارقي في فوائده ، ولم أره في شيء من الكتب المشهورة بعد الكشف إلا في الحلية للروياني ، وظاهر كلام الأصحاب وإطلاقهم أن الجذب يكون قبل التحرم ، فإن القصد الخروج من الخلاف كما مر ، ومتى أحرم منفردا لم تنعقد صلاته عند المخالفين ، فلا فائدة في الجذب حينئذ ا هـ .

                                                                                                                            وقد أنكره ابن أبي الدم أيضا ، فقول الكفاية لا يجوز جذبه قبل أن يحرم محمول على الجواز المستوي الطرفين فلا يخالف ما قررناه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويؤخذ من قولهم إلخ ) هذا الصنيع يقتضي أن الوقوف منفردا عن الصف في الصحة معه خلاف ، وأن الإعادة تسن للخروج منه لكن لم ينبه عليه فيما مر فليراجع .

                                                                                                                            وقضية قوله الآتي بعد قول المصنف فليجر خروجا من الخلاف إلخ ثبوت الخلاف فيه وقد يشعر قوله السابق إذ الخلاف المذهبي أولى بالمراعاة أن الخلاف في الانفراد عن الصف ليس خلافا في مذهبنا ويشعر به قول إمامنا لو ثبت قلت به .

                                                                                                                            [ فرع ] صار وحده في أثناء الصلاة ينبغي أن يجر شخصا ، فإن تركه مع تيسره ينبغي أن يكره م ر رحمه الله تعالى ا هـ سم على منهج أي وتفوته الفضيلة من حينئذ .

                                                                                                                            ( قوله : ولو منفردا ) أي وبعد خروج الوقت أيضا .

                                                                                                                            ( قوله : بل يندب ) أي الانفراد .

                                                                                                                            ( قوله : بفتح السين ) أي وكسرها وقد نظم ذلك شيخنا العلامة الدنوشري ، فقال :

                                                                                                                            وسعة بالفتح في الأوزان والكسر محكي عن الصنعاني

                                                                                                                            [ ص: 197 ]

                                                                                                                            ( قوله : لعدم التقصير إلخ ) أي فلا تفوتهم الفضيلة ( قوله : ولم يخترق ) أي إلى أن يصل إلى فرجة في الصف الثاني مثلا ، وينبغي في هذه الصورة أنه لا تفوت الفضيلة على من خلفه ولا على نفسه لعدم التقصير ، ومعلوم أن محله حيث لم يجد محلا يذهب منه بلا خرق للصفوف .

                                                                                                                            ( قوله : ولو عرضت فرجة إلخ ) أي بأن علم عروضها . أما لو وجدها ولم يعلم هل كانت موجودة قبل أو طرأت فالظاهر أنه يخرق ليصلها ، إذ الأصل عدم سدها ، سيما إذا كان ذلك من أحوال المأمومين المعتادة لهم .

                                                                                                                            [ فرع ] لو جهل هذا الحكم لم يبعد أن يسن لمن علم بجهله من أهل الصف التأخر إليه م ر ا هـ سم على منهج . ومفهوم تقييده بالجهل عدم سنه مع العلم ، ويوجه بأنه الذي فوت على نفسه .

                                                                                                                            ( قوله : عدم الخرق إليها ) هذا هو المعتمد .

                                                                                                                            ( قوله : كما مرت الإشارة إليه ) أي في غير هذا الموضع ، ويؤخذ من قولهم خطاب الوضع لا يفترق الحال فيه بين العلم والجهل الضرر هنا .

                                                                                                                            ( قوله : فإن أمكنه الخرق ) أي بين الاثنين بخلاف ما إذا كان الصف أكثر من اثنين فالجر أولى من الخرق بالشروط .

                                                                                                                            ( قوله : فينبغي أن يخرق في الأولى ) أي قوله فإن أمكنه الخرق والثانية هي قوله أو كان إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : والخرق في الأولى أفضل من الجر ) أي حيث أمكنه كل من الخرق والجر .

                                                                                                                            ( قوله : وليساعده المجرور ) ينبغي أن يحصل لهذا المساعد فضيلة الصف الذي كان فيه ولا يضر تأخره عنه ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            ( قوله : وذلك يعادل إلخ ) مشعر بفوات فضيلة الصف الذي كان فيه ، وفيه ما ذكرناه عن سم .

                                                                                                                            ( قوله : لا حرام ) خلافا لظاهر [ ص: 198 ] ما يأتي عن الكفاية ( قوله : أن يجذب ) هو بكسر الذال المعجمة وبابه ضرب ا هـ مصباح .

                                                                                                                            ( قوله : وظاهر كلام الأصحاب ) ضعيف .

                                                                                                                            ( قوله : فلا يخالف ما قررناه ) أي في أن الجر قبل الإحرام مكروه لا حرام



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 195 - 196 ] قوله : ويؤخذ من قولهم هنا أيضا أن الأمر بالإعادة إلخ ) في هذا الأخذ نظر ظاهر إذ لم يكن هناك خلاف راعاه النبي صلى الله عليه وسلم في أمره ( قوله : ولو وجدها ) أي الفرجة كما يدل عليه قوله : ليدخل تلك الفرجة إلخ ، فخرج ما إذا لم تكن فرجة ، لكن هناك ما لو وقف فيه لوسعه فلا يتخطى له لعدم التقصير ، وهذا ما اقتضاه [ ص: 197 ] ظاهر التحقيق .

                                                                                                                            وسوى الشهاب حج بينهما تبعا للمجموع فليتنبه ( قوله : لم يكره لعدم التقصير ) أي فليس لغيرهم خرق صفوفهم لأجلها ( قوله : ولو كان عن يمين الإمام محل يسعه وقف فيه ) كأن صورته فيما لو أتى من أمام الصفوف وكان هناك فرجة خلفه فلا يخرق الصفوف المتقدمة لعدم تقصيرها ، وإنما التقصير من الصفوف المتأخرة بعدم سدها فليراجع ( قوله : فإن أمكنه الخرق ) أي ولم يكن محله يسع اثنين بقرينة عطفه عليه بأو المقتضية أن يقدر فيما قبلها نقيض ما بعدها ، وحينئذ فقول الشارح والخرق في الأولى أفضل من الجر غير متأت ، إذ الصورة أنه فيها لا يمكن إلا الخرق كما عرفت ، وهو ساقط من بعض النسخ ، كما أنه ليس بموجود في شرح الروض الذي هو أصل هذه العبارة [ ص: 198 ] قوله : فقد قال القاضي أبو الطيب إلى آخر السوادة ) هو نص عبارة فتاوى والده حرفا بحرف وإن أوهم سياقه خلافه ( قوله : فيما لو وقف مأموم عن يمين إمامه ) أي وأحرم بقرينة ما بعده ( قوله : فجاء آخر فأحرم ) أي أراد أن يحرم بقرينة ما بعده .




                                                                                                                            الخدمات العلمية