الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ) بتشديد الياء كمرمي ( حدثنا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير ) بالتصغير ( حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أصدق كلمة قالها الشاعر ) المراد بالكلمة هنا القطعة من الكلام ( كلمة لبيد ) أي : ابن ربيعة العامري قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة وفد قومه كان شريفا في الجاهلية ، والإسلام نزل الكوفة مات سنة إحدى وأربعين ، وله من العمر مائة وأربعون سنة ، وقيل مائة وسبع وخمسون سنة ، وقيل غير ذلك ، وهو المشهور من فصحاء العرب ، وشعرائهم ، ولما أسلم لم يقل شعرا ، وقال يكفيني القرآن ، وكأنه رضي الله عنه استحيى من أن يقول شيئا بعد سماعه كلامه تعالى ، وحقق إظهار المعجزة ، وصدقه تعالى في قوله أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم أو خاض في لجج أمواج بحار العلوم بحيث أنه ما بقي له اشتغال بغيره من العلوم لقوله تعالى ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وقال ابن عباس : جميع العلم في القرآن لكن تقاصر عنه أفهام الرجال .

ولعله - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل بالشعر ويمدحه أحيانا تألفا لقلوب المؤمنين ، وتدرجا بأقوال العارفين إلى كلام رب العالمين للمناسبة البشرية العاجزة غالبا عن فهم الأسرار الإلهية .

وهذا وجه ما حكي أن بعض المشايخ قرأ حزبه من القرآن بعد الصبح ورقة بعد ورقة ، ولم يحصل له وجد وذوق ورقة ثم حضر قوال ، وأنشد له شعرا فحصل له سماع ، وتواجد عظيم بحسب التوفيق ، ولما أفاق قال : أما تعذرون القائلين في حقي أنه الزنديق وعلى الجملة ; ففي الحديث منقبة شريفة للبيد وكلمته (

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

) فألا للتنبيه ، والمراد بالباطل : الفاني المضمحل ، وإنما كان كلامه أصدق ؛ لأنه وافق أصدق الكلام في أحق المرام ، وهو قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه وهو زبدة مسألة التوحيد ، وعمدة كلمة أهل التفريد من قول بعضهم ليس في الدار غيره ديار .

وقول آخر سوى الله والله ما في الوجود ، وقد بينت هذا المعنى في شرح حزب مولانا الشيخ أبي الحسن البكري قدس الله سره السري عند قوله أستغفر الله مما سوى الله .

ومجمله أن المراد بالهلاك في الآية والبطلان في البيت إما بالفعل ; فينعدم كل مخلوق ; فيوجد في كل آن وهو المعني بقوله كل يوم هو في شأن وهو مذهب ابن العربي وأتباعه [ ص: 43 ] من المحققين بأن الجواهر كالأعراض لا تبقى زمانين أو المراد قبوله للبطلان والهلاك ، إذ المتعقل إما ثابت العدم كالمحال أو واجب القدم والبقاء كذات الله وصفاته من نعوت الكمال ، أو محتمل كالعالم وهو ما سواه ، وكله مما في صدد الزوال في نظر أرباب الأحوال . ثم المصراع الثاني . وكل نعيم لا محالة زائل .

أي من نعم الدنيا لقوله بعد ذلك نعيمك في الدنيا غرور وحسرة قال الحنفي : لكنه لم يجر على لسانه - صلى الله عليه وسلم - قلت لا يجوز الجزم بذلك ، وقد جاء في رواية : " إن أصدق بيت قاله الشاعر " ، وفي رواية : " إن أصدق بيت قالته الشعراء " ، والبيت لا يطلق إلا على المصراعين ، وكثير ما يذكر أحد المصراعين للاكتفاء بالتنبيه عليه ، فتارة يؤتى بالمصراع الأول كما هنا ، وتارة بالمصراع الثاني كما في الحديث الأول ، فتأمل . ( وكاد ) أي : قارب ( أمية ) بالتصغير ( ابن أبي الصلت ) بفتح ، فسكون أي : ابن ربيعة الثقفي ( أن يسلم ) ; لأنه كان في شعره ينطق بالحقائق وقد كان متعبدا في الجاهلية من بين الخلائق ، ويتدين ويؤمن بالبعث لكنه أدرك الإسلام ، ولم يسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية