الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا الحسن بن صباح ) بتشديد الموحدة ، وفي نسخة ( الصباح ) ( البزار ) بالرفع على أنه نعت للحسن ( حدثنا مبشر بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن العلاء عن أبيه عن ابن عمر عن عائشة قالت : لا أغبط أحدا ( بهون موت ) أي : برفقه ففي الصحاح : الهون مصدر هان عليه الشيء أي : خفف وهونه الله عليه أي : سهله وخففه انتهى ، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي : بالموت السهل الهين ( بعد الذي رأيت ) أي : أبصرت ( من شدة موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) من بيان الموصوف ، وفيه إشعار بأنه لو كان الكرامة بتهوين الموت لكان - صلى الله عليه وسلم - أولى وأحق بتلك الكرامة ولم يكن له في وقت الموت شيء من الشدة فعلم منه أن سهولة الموت ليست مما تغتبط به ويتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه وما ذاك إلا لكون شدة الموت سببا لرفع الدرجات أو تكفير السيئات ، وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أن أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، وإنما فسرت الغبطة بالحسد ؛ لأنه قد يطلق عليها كما في حديث : لا حسد إلا في اثنتين وعدلت عن تفسير ( لا أغبط ) بلا أتمنى كما قال بعضهم لعدم استقامة المعنى [ ص: 260 ] ، وقال شارح : المعنى فلا أكره شدة الموت لأحد ، ولا أغبط أحدا يموت من غير شدة فإن شدة الموت ليست من المنذرات ، وإن سهولة الممات ليست من الكرامات فاندفع قول من قال الأنسب أن تقول أغبط كل من مات بشدة ، ثم مما يدل على شدة موته - صلى الله عليه وسلم - كثرة غمراته وغشياته ، وقد تقدم أنه حصل له غشيان وصب عليه ماء كثير حتى أفاق وسبق بيان شدة الحمى عليه ، والتحقيق أن الشدة إنما كانت في مقدمات موته لا في نفس سكراته كما يتوهم ، فمراد عائشة أني لا أتمنى الموت من غير سبق مرض شديد كما يقع لبعض الناس ويحسبه العوام أن الله هون عليه إكراما له ، فتأمل فإنه موضع زلل ، هذا ، وفي البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - لما حضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ، ثم قال : اللهم في الرفيق الأعلى وصح أسأل الله الرفيق الأعلى مع الأسعد جبريل وميكائيل وإسرافيل ، قال صاحب النهاية : الرفيق جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين ، وقيل هو الله ؛ لأنه رفيق بعباده ، وقيل حظيرة القدس ، وفي دلائل النبوة للبيهقي حديث طويل ، وفيه أنه لما بقي من أجله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام جاءه جبريل يعوده فقال له : كيف تجدك قال : أجدني مغموما مكروبا ، ثم جاءه في اليوم الثاني ، وفي الثالث ، وهو يقول ذلك ، ثم أخبره أن ملك الموت يستأذن وأنه لم يستأذن على آدمي قبله ، ولا بعده فأذن له فوقف بين يديه يخيره بين قبض روحه وتركه فقال له جبريل يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك فأذن له في القبض فلما قبضه وجاءت التعزية سمعوا صوتا من ناحية البيت : السلام عليكم أهل البيت ، وذكر تعزية طويلة وأنكر النووي وجود هذه التعزية في كتب الحديث ، وقال الحافظ العراقي لا تصح وبين أن ما رواه ابن أبي الدنيا في ذلك بطوله فيه انقطاع ومتكلم فيه وما رواه البيهقي في دخول ملك الموت روى نحوه الطبراني ، أقول : فالحديث له أصل ثابت ولو لم يصح فإما حسن أو ضعيف ، وهو معتبر في الفضائل اتفاقا ومعنى اشتياق الله للقائه إرادة لقائه برده من دنياه إلى معاده زيادة في قربه وكرامته كما ورد : من أراد لقاء الله أراد الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه .

وفيه تنبيه نبيه على وجوب تحصيل تحسين الظن به سبحانه كما ورد .

وقد قال تعالى ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أي : كاملون في الإسلام منقادون للأحكام مخلصون في محبة الملك العلام ( قال أبو عيسى سألت أبا زرعة ) وهو من أكابر مشايخ الترمذي والعمدة في معرفة الرجال عند المحدثين ( فقلت له من عبد الرحمن بن العلاء ؟ ) من استفهامية ، وقوله ( هذا ) أي : المذكور في السند المسطور ، وإنما استفهم عنه فإن عبد الرحمن بن العلاء متعدد بين الرواة ( قال هو عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج ) بجيمين وجر الابن الثاني ويقال أنه أخو خالد ثقة من الرابعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية