الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3982 240 - حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو ، عن محمد بن علي ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، ورخص في الخيل .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وعمرو بفتح العين هو ابن دينار ، ومحمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم هو أبو جعفر الباقر .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح ، عن سليمان بن حرب ، وفي الذبائح أيضا ، عن مسدد ، وأخرجه مسلم في الذبائح ، عن يحيى بن يحيى وأبي الربيع وقتيبة ، وأخرجه أبو داود في الأطعمة ، عن سليمان بن حرب به ، وعن إبراهيم بن الحسن المصيصي . وأخرجه النسائي في الصيد وفي الوليمة عن قتيبة ، وأحمد بن عبدة الضبي ، كلاهما عن حماد بن زيد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الأهلية " في رواية الكشميهني ، وليس في رواية غيره إلا لفظ الحمر ، واحتج بهذا الحديث من جوز أكل لحم الخيل ، وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وأبي ثور والليث وابن المبارك ، وإليه ذهب ابن سيرين والحسن وعطاء والأسود بن يزيد وسعيد بن جبير ، وقال أبو حنيفة : لا يؤكل لحم الخيل ، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو عبيد ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة خرج مخرج الامتنان ، والأكل من أعلى منافعها ، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها ، ولما روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه قال : نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمر . فيعارض حديث جابر ، والترجيح للمحرم .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : حديث جابر صحيح وحديث خالد متكلم فيه إسنادا ومتنا ، والاعتماد على أحاديث الإباحة لصحتها وكثرة روايتها .

                                                                                                                                                                                  قلت : سند حديث خالد جيد ، ولهذا لما أخرجه أبو داود سكت عنه فهو حسن عنده ، وقال النسائي : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرني بقية ، حدثني ثور بن يزيد ، عن صالح فذكره بسنده ، وقد صرح فيه بقية بالتحديث عن ثور ، وثور حمصي ، أخرج له البخاري وغيره ، وبقية إذا صرح بالتحديث كان السند حجة - قاله ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وغيرهم ، خصوصا إذا كان الذي حدث عنه بقية شاميا ، وقال ابن عدي : إذا روى بقية عن أهل الشام فهو ثبت ، وصالح وثقه ابن حبان ، وأبوه يحيى ذكره الذهبي ، وقال : وثق ، وأبوه مقدام بن معدي كرب صحابي ، فإذا كان كذلك صحت المعارضة ، فإذا تعارضا يرجح المحرم .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ادعى بعضهم أن حديث خالد منسوخ بحديث جابر ; لأنه قال فيه : " وأذن " ، وفي لفظ : " ورخص " .

                                                                                                                                                                                  قلت : لا يصح الاستدلال على النسخ بقوله : " أذن " أو " رخص " ; لأنه يحتمل أن يكون إذنه في حالة المخمصة ; إذ هي أغلب أحوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وفي الصحيح أنهم ما وصلوا إلى خيبر إلا وهم جياع ، فلا يدل على الإطلاق .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : لو كانت الإباحة للمخمصة لما اختصت بالخيل .

                                                                                                                                                                                  قلت : يمكن أن يكون في زمن الإباحة بالفرس ما أصابوا البغال والحمير .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : قال ابن حزم : في حديث خالد دليل الوضع ; لأن فيه عن خالد : غزوت مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خيبر ، وهذا باطل ; لأنه لم يسلم خالد إلا بعد خيبر بلا خلاف .

                                                                                                                                                                                  قلت : ليس كما قال ، بل فيه خلاف ، فقيل : هاجر بعد الحديبية ، وقيل : بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر ، وقيل : أسلم سنة خمس بعد فراغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من بني قريظة ، وكانت الحديبية في ذي القعدة [ ص: 249 ] سنة ست وخيبر بعدها سنة سبع ، ولو سلم أنه أسلم بعد خيبر فغاية ما فيه أنه أرسل الحديث ، ومراسيل الصحابة في حكم الموصول المسند - قاله ابن الصلاح وغيره .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية