الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3876 138 - حدثني عمرو بن علي ، حدثنا أبو عاصم ، أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان ، أخبرنا سعيد بن ميناء قال : سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لما حفر الخندق رأيت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خمصا شديدا ، فانكفأت إلى امرأتي فقلت : هل عندك شيء ؟ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصا شديدا ! فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير ، ولنا بهيمة داجن فذبحتها ، وطحنت الشعير ففرغت إلى فراغي وقطعتها في برمتها ، ثم وليت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : لا تفضحني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبمن معه ! فجئته فساررته فقلت : يا رسول الله ، ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا ، فتعال أنت ونفر معك ! فصاح النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا أهل الخندق ، إن جابرا قد صنع سورا ، فحي هلا بكم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء ! فجئت ، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس ، حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك ! فقلت : قد فعلت الذي قلت ! فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ، ثم قال : ادع خابزة فلتخبز معك ، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها ! وهم ألف ، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا ، وإن برمتنا لتغط كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو !

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا طريق آخر في حديث جابر المذكور ، أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر البصري الصيرفي عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد وهو شيخ البخاري أيضا ، روى عنه هنا بالواسطة . وسعيد بن ميناء - بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون مقصورا وممدودا .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الجهاد مختصرا بعين هذا الإسناد في باب من تكلم بالفارسية والرطانة .

                                                                                                                                                                                  قوله " خمصا " بفتح الخاء المعجمة وفتح الميم وقد تسكن وبالصاد المهملة ، وهو الجوع .

                                                                                                                                                                                  قوله " فانكفأت " ; أي انقلبت ، وأصله بالهمزة ، وفي بعض النسخ " فانكفيت " بدون الهمزة .

                                                                                                                                                                                  قوله " بهيمة " بضم الباء الموحدة تصغير بهمة ، وهي الصغيرة من أولاد الغنم .

                                                                                                                                                                                  قوله " داجن " بكسر الجيم ، وهو من أولاد الغنم يربى في البيوت ولا يخرج إلى المرعى ، واشتقاقه من الدجن وهو الإقامة بالمكان ، ولم تدخل التاء فيه لأنه صار اسما للشاة .

                                                                                                                                                                                  قوله " وطحنت " ; أي امرأة جابر .

                                                                                                                                                                                  قوله " ففرغت إلى فراغي " ; أي فرغت امرأتي من طحن الشعير مع فراغي من ذبح البهيمة ، والفراغ بفتح الفاء مصدر ، فرغت من الشغل فروغا وفراغا .

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم وليت " ; أي رجعت .

                                                                                                                                                                                  قوله " فقالت " ; أي عقيب رجوعي إلى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قالت امرأتي " لا تفضحني " .

                                                                                                                                                                                  قوله " فساررته " ; أي قلت له سرا .

                                                                                                                                                                                  قوله " فتعال " بفتح اللام ، أمر من تعالى يتعالى تعاليا ، وهو الارتفاع .

                                                                                                                                                                                  قوله " سورا " بضم السين المهملة وسكون الواو بغير همز ، ومعناه الصنيع بالحبشية ، وقيل معناه العرس بالفارسية ، ويطلق أيضا على البناء الذي يحيط بالمدينة ، وأما السؤر بالهمزة وهو البقية ، والذي يحفظ أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - مما تكلم به من الأعجمية هذه اللفظة وقوله للحسن رضي الله تعالى عنه " كخ " ولعبد الرحمن " مهيم " أي ما هذا ، ولأم خالد " سنا سنا " يعني حسنه . وذكر ابن فارس أن معنى " مهيم " ما حالك وما شأنك ، ولم يذكر أنها أعجمية ، وقال الهروي : إنها كلمة يمانية .

                                                                                                                                                                                  قوله " فحي هلا بكم " ، هي كلمة استدعاء فيها حث ; أي هلموا مسرعين ، ومنه حي على الصلاة بمعنى هلموا ، وفيها لغات ; يقال حيهل بفلان وحيهلا بزيادة الألف وحيهلا [ ص: 182 ] بالتنوين للتنكير وحيهلا بتخفيف الياء ، وروي حيهل بالتشديد وسكون الهاء .

                                                                                                                                                                                  قوله " يقدم الناس " بضم الدال .

                                                                                                                                                                                  قوله " فقالت بك وبك " ، الباء فيه تتعلق بمحذوف تقديره فعل الله بك كذا وكذا حيث أتيت بناس كثير والطعام قليل ، وذلك موجب للخجلة .

                                                                                                                                                                                  قوله " فبصق " ، وجاء فيه " بزق ، وبسق " بالسين والزاي .

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم عمد " بكسر الميم ; أي قصد .

                                                                                                                                                                                  قوله " وبارك " ; أي دعا بالبركة .

                                                                                                                                                                                  قوله " واقدحي " ; أي اغرفي ، يقال قدح القدر إذا غرف ما فيها ، والقدحة الغرفة .

                                                                                                                                                                                  قوله " وهم ألف " ; أي والحال أن القوم ألف ، وفي رواية أبي نعيم في المستخرج أنهم كانوا سبعمائة أو ثمانمائة ، والحكم للزائد لزيادة عمله .

                                                                                                                                                                                  قوله " وانحرفوا " ; أي مالوا عن الطعام .

                                                                                                                                                                                  قوله " لتغط " بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة ; أي تغلي وتفور من الامتلاء فيسمع غطيطها ، وهو من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية