الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1668 335 - حدثنا مسدد قال: حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: " أن يكون آخر عهدهم بالبيت" وهو لا يكون إلا بالطواف، وهو في آخر العهد طواف الوداع.

                                                                                                                                                                                  ورجاله تكرر ذكرهم، وسفيان بن عيينة، وابن طاوس هو عبد الله بن طاوس.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه البخاري أيضا عن مسلم بن إبراهيم فعن قريب يأتي، وأخرجه أيضا في الطهارة عن معلى بن أسد، وأخرجه مسلم في الحج عن سعيد بن منصور، وأبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن سفيان به، وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، والحارث بن مسكين، كلاهما عن سفيان به، وعن جعفر بن مسافر مختصرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أمر الناس" على صيغة المجهول، وأصل الكلام: أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، ورواه مسلم نحوه عن سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس، ورواه أيضا عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله [ ص: 95 ] صلى الله عليه وسلم: لا ينصرفن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت. قال زهير: ينصرفون كل وجه، ولم يقل: في.

                                                                                                                                                                                  وروى مسلم أيضا من رواية الحسن بن مسلم عن طاوس قال: كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت: تعني أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت، فقال له ابن عباس: إما لا فسل فلانة الأنصارية، هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فرجع زيد إلى ابن عباس يضحك، وهو يقول: ما أراك إلا قد صدقت! وفي رواية: " فسألها زيد ثم رجع وهو يضحك، فقال... الحديث كما حدثتني"، وفي رواية البيهقي: " أرسل زيد إلى ابن عباس: إني وجدت الذي قلت كما قلت، فقال ابن عباس: إني لأعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء، ولكن أحببت أن أقول ما في كتاب الله تعالى، ثم تلا هذه الآية: " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق "، فقد قضت التفث، ووفت النذر، وطافت بالبيت فما بقي".

                                                                                                                                                                                  قوله: " إما لا" بكسر الهمزة وفتح اللام، وبالإمالة الخفية، وهو الصواب المشهور، قال القاضي: ضبطه الطبري والأصيلي بكسر اللام، قال: والمعروف في كلام العرب فتحها، إلا على لغة من يميل، وقال ابن الأنباري: قولهم: افعل هذا إما لا، معناه: افعله إن كنت لا تفعل غيره، وقال ابن الأثير: أصل هذه الكلمة: "إن" و"ما" فأدغمت النون في الميم، و"ما" زائدة في اللفظ لا حكم لها، وقد أمالت العرب "لا" إمالة خفية، قال: والعوام يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء، وهو خطأ، ومعناه: إن لم تفعل هذا فليكن هذا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " بالبيت" خبر "كان"، يعني: طواف الوداع لا بد أن يكون آخر العهد به. قال النووي: هو واجب يلزم بتركه دم على الصحيح عندنا، وهو قول أكثر العلماء، وقال مالك وداود وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه، وقال أصحابنا الحنفية: هو واجب على الآفاقي دون المكي والميقاتي، ومن دونهم، وقال أبو يوسف: أحب إلي أن يطوف المكي؛ لأنه يختم المناسك، ولا يجب على الحائض والنفساء، ولا على المعتمر؛ لأن وجوبه عرف نصا في الحج فيقتصر عليه، ولا على فائت الحج؛ لأن الواجب عليه العمرة، وليس لها طواف الوداع، وقال مالك: إنما أمر الناس أن يكون آخر نسكهم الطواف؛ لقوله تعالى: " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب "، وقال: " ثم محلها إلى البيت العتيق "، فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها بالبيت العتيق، قال: ومن أخر طواف الوداع وخرج ولم يطف إن كان قريبا رجع فطاف، وإن لم يرجع فلا شيء عليه. وقال عطاء، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي في أظهر قوليه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: إن كان قريبا رجع فطاف، وإن تباعد مضى وأهراق دما.

                                                                                                                                                                                  واختلفوا في حد القرب، فروي أن عمر رضي الله عنه رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع، وبين مر الظهران ومكة ثمانية عشر ميلا، وعند أبي حنيفة: يرجع ما لم يبلغ المواقيت، وعند الشافعي: يرجع من مسافة لا تقصر فيها الصلاة، وعند الثوري: يرجع ما لم يخرج من الحرم.

                                                                                                                                                                                  واختلفوا فيمن ودع ثم بدا له في شراء حوائجه، فقال عطاء: يعيد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت، وبنحوه قال الثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وقال مالك: لا بأس أن يشتري بعض حوائجه وطعامه في السوق، ولا شيء عليه، وإن أقام يوما أو نحوه أعاد، وقال أبو حنيفة: لو ودع وأقام شهرا أو أكثر أجزأه، ولا إعادة عليه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية