الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1821 30 - (حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هشام قال: حدثنا قتادة، عن أنس، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه تأخير السحور إلى أن يبقى من الوقت بين الأذان وأكل السحور مقدار قراءة خمسين آية، وأما المطابقة في نسخة باب تعجيل السحور؛ فمن حيث إنه يدل على أنهم كانوا يستعجلون به حتى يبقى بينهم وبين الفجر المقدار المذكور، ولا يقدمونه أكثر من المقدار المذكور، والحديث قد مضى في باب وقت الفجر في كتاب مواقيت الصلاة، فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن عاصم، عن همام، عن قتادة، عن أنس رضي الله تعالى عنه، أن زيد بن ثابت [ ص: 299 ] حدثه.. إلى آخره، وهنا أخرجه عن مسلم بن إبراهيم، عن هشام الدستوائي.. إلى آخره، وفيه رواية الصحابي عن الصحابي.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قلت" ؛ القائل هو أنس الذي سأل، والمسؤول عنه هو زيد بن ثابت، وقال بعضهم: " قلت" مقول أنس. (قلت): ليس كذلك، بل هو قوله، والمقول هو قوله: " كم كان بين الأذان والسحور" ، قوله: " قال" ؛ أي: زيد بن ثابت، قوله: " قدر خمسين آية" ؛ أي: مقدار قراءة خمسين آية، وقال بعضهم: " قدر خمسين آية"؛ أي: متوسطة لا طويلة ولا قصيرة، ولا سريعة ولا بطيئة. (قلت): هذا بطريق الحدس والتخمين، وهو أعم من تقييده بهذه القيود، وأيضا السرعة والبطء من صفات القارئ لا من صفات الآية، ويجوز في قوله: " قدر" الرفع والنصب، أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو قدر خمسين آية، يعني الزمان الذي بين الأذان والسحور، وأما النصب فعلى أنه خبر "كان" المقدر تقديره: كان الزمان بينهما قدر خمسين آية، وقال المهلب: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال؛ كقولهم: قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور، فعدل زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة.

                                                                                                                                                                                  وفيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة، وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى ما هو أرفق بأمته، وفيه الاجتماع على السحور، وقال بعضهم: وفيه جواز المشي بالليل للحاجة؛ لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم. (قلت): لا نسلم نفي بيتوتته مع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة التي تسحر فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من ذلك أن يبيت معه كل ليلة، وقال أيضا هذا القائل: وفيه حسن الأدب في العبارة؛ لقوله: " تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولم يقل: نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما يشعر لفظ المعية بالتبعية. (قلت): كلمة "مع" موضوعة للمصاحبة، وإشعارها بالتبعية ليس من موضوع الكلمة، ومعنى قوله: " تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ أي: في صحبته، وقوله: " تسحرنا" يدل على أنه لم يكن وحده مع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة، (فإن قلت): الحديث يدل على أن الفراغ من السحور كان قبل الفجر بمقدار قراءة خمسين آية، وقد مر في حديث حذيفة أن تسحرهم كان بعد الصبح، غير أن الشمس لم تطلع؟ (قلت): أجاب بعضهم بأن لا معارضة، بل يحمل على اختلاف الحال، فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة. انتهى. (قلت): هذا الجواب لا يشفي العليل ولا يروي الغليل، بل الجواب القاطع ما ذكره الحافظ أبو جعفر الطحاوي بقوله بعد أن روى حديث حذيفة: وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما روي عن حذيفة، فذكر الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان وغيرهما، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يمنعن أحدكم أذان بلال.." الحديث، وقال أيضا: وقد يحتمل أن يكون حديث حذيفة - والله أعلم- قيل: نزول قوله تعالى: وكلوا واشربوا الآية، وقال أبو بكر الرازي ما ملخصه: لا يثبت ذلك من حذيفة ومع ذلك من أخبار الآحاد فلا يجوز الاعتراض به على القرآن، قال الله تعالى: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فأوجب الصيام بظهور الخيط الأبيض الذي هو بياض الفجر، فكيف يجوز التسحر الذي هو الأكل بعد هذا مع تحريم الله إياه بالقرآن




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية