الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    127 - ( فصل )

                    [ ص: 262 ] ومن مواضع القرعة ما إذا طلق إحدى نسائه ، ومات قبل البيان ، فإن الورثة يقرعون بينهن ، فمن وقعت عليها القرعة لم ترث ، نص عليه في رواية حنبل وأبي طالب ، وابن منصور ومهنا .

                    وقال أبو حنيفة : يقسم الميراث بين الجميع ، وقال الشافعي : يوقف ميراث الزوجات حتى يصطلحن عليه .

                    ولوازم القولين تدل على صحة القول بالقرعة ، فإن لازم القول الأول : توريث من يعلم أنها أجنبية ، فإنها مطلقة في حال الصحة ثلاثا ، فكيف ترث ؟ ولازم القول الثاني : وقف المال ، وتعريضه للفساد والهلاك ، وعدم الانتفاع به ، وإن كان حيوانا فربما كانت مئونته تزيد على أضعاف قيمته ، وهذا لا مصلحة فيه ألبتة . وأيضا فإنهن إذا علمن أن المال يهلك إن لم يصطلحن عليه : كان ذلك إلجاء لهن إلى إعطاء غير المستحقة ، فالقرعة تخلص من ذلك كله ، ومن المعلوم : أن المستحقة للميراث إحداهما دون الأخرى ، فوجب أن يقرع بينهما كما يقرع بين العبيد إذا أعتقهم في المرض ، وبين الزوجات إذا أراد السفر بإحداهن ، والحاكم إنما نصب لفصل الأحكام ، لا لوقفها وجعلها معلقة ، فتوريث الجميع - على ما فيه - أقرب للمصلحة من حبس المال وتعريضه للتلف ، مع حاجة مستحقيه إليه .

                    وأيضا : فإنا عهدنا من الشارع أنه لم يوقف حكومة قط على اصطلاح المتخاصمين ، بل يشير عليهما بالصلح ، فإن لم يصطلحا فصل الخصومة ، وبهذا تقوم مصلحة الناس .

                    قال المورثون للجميع : قد تساويا في سبب الاستحقاق ، لأن حجة كل واحدة منهما كحجة الأخرى ، فوجب أن يتساويا في الإرث ، كما لو أقامت كل واحدة منهما البينة بالزوجية .

                    وقال المقرعون : المستحقة منهما هي الزوجة ، والمطلقة غير مستحقة ، فكيف يقال : إنهما استويتا في سبب الاستحقاق ؟ على أنهما إذا أقامتا بينتين تعارضتا وسقطتا ، وصارتا كمن لا بينة لواحدة منهما .

                    وقال المورثون : قد استحق من ماله ميراث زوجته ، وليست إحداهما بأن تكون هي المستحقة أولى من الأخرى ، فيقسم الإرث بينهما ، كرجلين ادعيا دابة في يد غيرهما وأقاما بينتين : فإنها تقسم بينهما .

                    وقال المقرعون : هذه هي الشبهة التي تقدمت ، والجواب واحد .

                    وقال المورثون لأصحاب القرعة : قد تناقضتم ، فإنكم تقرعون بإخراج المطلقة فإذا أخرجتموها بالقرعة أوجبتم عليها عدة الوفاة ، إذا كانت أطول من عدة الطلاق ، فإن كانت مطلقة فكيف تعتد [ ص: 263 ] عدة الوفاة ؟ وإذا اعتدت عدة الوفاة فكيف لا ترث ؟ .

                    قال أصحاب القرعة : يجب على المطلقة منهما عدة الطلاق ، وعلى الزوجة عدة الوفاة ، ولكن لما أشكلت المطلقة من الزوجة أوجبنا على كل واحدة منهما أن تعتد بأقصى الأجلين ، ويدخل فيه الأدنى ، احتياطا للعدة .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية