الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      واختلف الفقهاء في الحرز فشذ عنهم داود ولم يعتبره وقطع كل سارق من حرز أو من غير حرز ، وذهب جمهورهم إلى اعتبار الحرز في وجوب القطع وأنه لا قطع على من سرق من غير حرز ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا قطع في حريسة الخيل حتى تولي إلى معاقلها } .

                                      وهكذا لو استعار فجحد لم يقطع وقال أحمد بن حنبل يقطع واختلف في جعل الحرز شرطا في صفته ، فسوى أبو حنيفة بين الأحراز [ ص: 283 ] في كل الأموال وجعل حرز أقل الأموال حرز أجلها : والأحراز عند الشافعي تختلف باختلاف الأموال اعتبارا بالعرف فيها .

                                      فيخف الحرز فيما قلت قيمته من الخشب والحطب ، ويغلظ ويشتد فيما كثرت قيمته من الذهب والفضة ، فلا يجعل حرز الحطب حرز الفضة والذهب ، فيقطع سارق الخشب منه ، ولا يقطع سارق الذهب والفضة منه ، ويقطع نباش القبور إذا سرق أكفان موتاها ; لأن القبور أحراز لها في العرف ، وإن لم تكن أحرازا لغيرها من الأموال .

                                      وقال أبو حنيفة : لا يقطع النباش ; لأن القبر ليس بحرز لغير الكفن .

                                      وإذا شد الرجل متاعه على بهيمة سائرة كما جرت العادة بمثله فسرق سارق من المتاع ما بلغت قيمته ربع دينار قطع ; لأنه سارق من حرز .

                                      ولو سرق البهيمة وما عليها لم يقطع ; لأنه سرق الحرز والمحروز ، ولو سرق إناء من فضة أو ذهب قطع ، وإن كان استعماله محظورا ; لأنه مال مملوك سواء كان فيه طعام أو لم يكن .

                                      وقال أبو حنيفة : إن كان في الإناء المسروق طعام أو شراب أو ماء مشروب فشربه لم يقطع ، ولو أفرغ الإناء من الطعام والشراب ثم سرقه قطع .

                                      وإذا اشترك اثنان في نقب الحرز ثم انفرد أحدهما بأخذ المال قطع المنفرد منهما بالأخذ دون المشارك في النقب ، ولو اشترك اثنان فنقب أحدهما ، ولم يأخذ وأخذ الآخر ولم ينقب لم يقطع واحد منهما ، وفي مثلها قال الشافعي : اللص الظريف لا يقطع .

                                      وإذا دخل الحرز واستهلك المال فيه غرم ولم يقطع ، وإذا قطع السارق والمال باق رد على مالكه ، فإن عاد السارق بعد قطعه فسرق ثانية بعد إحرازه قطع .

                                      وقال أبو حنيفة : لا يقطع في مال مرتين ، وإذا استهلك السارق ما سرقه قطع وأغرم .

                                      وقال أبو حنيفة إن قطع لم يغرم وإن أغرم لم يقطع .

                                      وإذا وهبت له السرقة لم يسقط عنه القطع .

                                      وقال أبو حنيفة : يسقط ، وإذا عفا رب المال عن القطع لم يسقط قد عفا صفوان بن أمية عن سارق ردائه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا عفا الله عني إن عفوت ، وأمر بقطعه } .

                                      وحكي أن معاوية أتي بلصوص فقطعهم حتى بقي واحد منهم فقدم ليقطع فقال ( من الطويل ) : [ ص: 284 ]

                                      يميني أمير المؤمنين أعيذها بعفوك أن تلقى نكالا يبينها     يدي كانت الحسناء لو تم سترها
                                      ولا تقدم الحسناء عيبا يشينها     فلا خير في الدنيا وكانت خبيثة
                                      إذا ما شمال فارقتها يمينها

                                      فقال معاوية كيف أصنع بك وقد قطعت أصحابك ؟ فقالت أم السارق اجعلها من جملة ذنوبك التي تتوب إلى الله منها فخلى سبيله ، فكان أول حد ترك في الإسلام .

                                      ويستوي في قطع السرقة الرجل والمرأة والحر والعبد والمسلم والكافر ، ولا يقطع صبي ، ولا يقطع المغمى عليه إذا سرق في إغمائه ، ولا يقطع عبد سرق من مال سيده ، ولا والد سرق من مال ولده .

                                      وقال داود يقطعان

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية