الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      والفصل الرابع زمان النظر ، فلا يخلو من ثلاثة أحوال :

                                      أحدها أن يقدره بمدة محصورة الشهور أو السنين ، فيكون تقديرها بهذه المدة مجوزا للنظر فيها ، ومانعا من النظر بعد انقضائها ولا يكون النظر في المدة المقيدة لازما من جهة المولي ، وله صرفه ولا استبدال به إذا رأى ذلك صلاحا ، فأما لزومه من جهة العامل المولى فمعتبر بحال جارية عليها ; فإن كان الجاري معلوما بما تصح به الأجور لزمه العمل في المدة إلى انقضائها ; لأن العمالة فيها تصير من الإجارات المحضة ويؤخذ العامل فيها بالعمل إلى انقضائها إجبارا . والفرق بينهما في تخيير المولى ولزومها للمولي أنها في جنبة [ ص: 262 ] المولي من العقود العامة لنيابته فيها عن الكافة فروعي الأصلح في التخيير ، وهي في جنبة المولى من العقود الخاصة لعقده لها في حق نفسه فيجري عليها حكم اللزوم وإن لم يتقدر جاريه بما يصح في الأجور لم تلزمه المدة ، وجاز له الخروج من العمل إذا شاء بعد أن ينهي إلى موليه حال تركه حتى لا يخلو عمله من ناظر فيه .

                                      والحالة الثانية : أن يقدر بالعمل فيقول المولي فيه : قلدتك خراج ناحية كذا في هذه السنة أو قلدتك صدقات بلد كذا في هذا العام فتكون مدة نظره مقدرة بفراغه عن عمله ، فإذا فرغ منه انعزل عنه ، وهو قبل فراغه على ما ذكرنا يجوز أن يعزله المولي ، وعزله لنفسه معتبر بصحة جارية وفساده .

                                      والحالة الثالثة : أن يكون التقليد مطلقا فلا يقدر بمدة ولا عمل ، فيقول فيه : قد قلدتك خراج الكوفة أو أعشار البصرة أو حماية بغداد ، فهذا تقليد صحيح ، وإن جهلت مدته ; لأن المقصود منه الإذن لجواز النظر ، وليس المقصود منه اللزوم المعتبر في عقود الإيجارات .

                                      وإذا صح التقليد ، وجاز النظر لم يخل حاله من أحد أمرين : إما أن يكون مستديما أو منقطعا ، فإن كان مستديما كالنظر في الجباية والقضاء وحقوق المعادن فيصح نظره فيها عاما بعد عام ما لم يعزل .

                                      وإن كان منقطعا فهو على ضربين : أحدهما : أن لا يكون معهود العود في كل عام كالوالي على قسم الغنيمة فينعزل بعد فراغه منها وليس له النظر في قسمة غيرها من الغنائم .

                                      والضرب الثاني أن يكون عائدا في كل عام كالخراج الذي إذا استخرج في عام عاد فيما يليه ، فقد اختلف الفقهاء هل يكون إطلاق تقليده مقصورا على نظر عامه أو محمولا على كل عام ما لم يعزل على وجهين : أحدهما أنه يكون مقصورا للنظر على العام الذي هو فيه ، فإذا استوفى خراجه أو أخذ أعشاره انعزل ولم يكن له أن ينظر في العام الثاني إلا بتقليد مستجد اقتصارا على اليقين .

                                      والوجه الثاني : أنه يحمل على جواز النظر في كل عام ما لم يعزل اعتبارا بالعرف .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية