الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا فاتته ركعتا الفجر لا يقضيهما قبل طلوع الشمس ) [ ص: 478 ] لأنه يبقى نفلا مطلقا وهو مكروه بعد الصبح ( ولا بعد ارتفاعها عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمد : أحب إلي أن يقضيهما إلى وقت الزوال ) لأنه عليه الصلاة والسلام قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس . ولهما أن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب ، والحديث ورد في قضائها تبعا للفرض فبقي [ ص: 479 ] ما رواه على الأصل ، وإنما تقضى تبعا له ، وهو يصلي بالجماعة أو وحده إلى وقت الزوال ، وفيما بعده اختلاف المشايخ رحمهم الله . وأما سائر السنن سواها فلا تقضى بعد الوقت وحده ، واختلف المشايخ في قضائها تبعا للفرض

التالي السابق


( قوله لأنه يبقى نفلا مطلقا ) بناء على أنه لم يرد الشرع به ، أو قد ورد ولكنه معارض بالنهي عن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس في الصحيحين فيقدم عليه كما قدمناه آنفا .

وإذا ترجح العمل به بقي المفعول بعدها نفلا مطلقا ، بخلاف ما بعد الظهر فإنه لم يعارض الدال على كونه قضاء معارض فيكون قضاء لا نفلا مطلقا على ما حققناه ( قوله لاختصاص القضاء بالواجب ) قيل لأن القضاء تسليم مثل الواجب ، وفيه نظر لأن الاصطلاح على جعل مسمى هذا اللفظ كذا لا يمنع وجود القضاء مع حذف ذلك القيد في الشرع ، وقد وقع الاتفاق على قضاء سنة الظهر الأولى فيمنع الناظر اعتبار ذلك القيد في مفهومه ، ويئول الأمر إلى أن الاصطلاح لا يدفع اصطلاحا آخر . أو يقال : ذلك تعريف قضاء للواجب لأن كلامهم ذلك في تقسيم حكم الأمر على ما عرف من قولهم حكم الأمر نوعان : أداء وهو تسليم نفس الواجب إلى مستحقه ، وقضاء وهو تسليم مثل الواجب .

فالأولى في تقريره أن يقال القضاء إن وجب بسبب جديد توقف قضاء كل نفل وواجب على سمعي فيه وقد وجد في كل واجب سمعي عام ، وفي المنذور المعين إجماع على ما نقلوا وهو سمعي أيضا ، ولم يوجد مثل ذلك في النفل مطلقا فاختص القضاء بالواجب وإن وجب بالسبب الأول وهو مذهب المحققين .

فتقريره أنه إذا شغل الذمة وطلب تفريغها في وقت معين ففات يبقى السبب طالبا التفريغ على حسب الوسع الحاصل للقطع بأن براءة الذمة بعد تحقق شغلها لا يتحقق إلا بإبراء من له الحق أو الأداء ، وهذا منتف في السنن إذ لا شغل ذمة فيها بل طلبت على وجه التخيير [ ص: 479 ] ابتداء على الوجه الذي فعله صلى الله عليه وسلم ، فإذا تعذر لم يبق طالبها إذ الذمة لم تكن مشغولة به ، وما طلبها إلا سنة وهو بكونها على الوجه المنقول عنه صلى الله عليه وسلم ، فإذا أتى بشيء يكون طالبه السبب الطالب للنفل على العموم في غير الأوقات المكروهة وهو أن الصلاة خير موضوع ونحوه من العمومات النادبة لتكثير الصلاة ما أمكن فيثبت بهذا اختصاص الواجب بالقضاء عند فوت الأداء فلا يجري القضاء في غيرها إلا بسمعي ، وهو إنما دل على قضاء سنة الفجر تبعا للفرض في غداة ليلة التعريس ، وقدمنا تخريجه . وألفاظه وبه نقول ، وكذا ما روي عن عائشة رضي الله عنها في سنة الظهر ولذا نقول : لا تقضى سنة الظهر بعد الوقت فتبقى فيما وراءه على العدم ، ومقتضى هذا ترجح قول من قال من المشايخ في غير الصبح إذا فات لا تقضى سنته معه ، وحينئذ فتعريف الأداء على وجهه يشمل فعل النوافل أن يقال هو تسليم عين ما طلب شرعا فيشمل فعل النوافل والسنن في أوقاتها وإلا لزم أن لا توصف بأداء ولا قضاء ، والقضاء فعل مثل ذلك ( قوله وإنما تقضى ) أي سنة الفجر تبعا له : أي الفجر : أي صلاة الصبح إذا كانت معها وهو يصلي : أي يقضي صلاة الصبح بجماعة أو وحده على الخلاف إلى وقت الزوال فلو لم يقضها حتى زالت الشمس ففي قضائها اختلاف المشايخ ، وقيل لا تقضى وإن كانت تبعا للفرض لأنه صلى الله عليه وسلم إنما قضاها تبعا له قبل الزوال ، وقيل يقضيها بعد الزوال تبعا كقبله .

وأما سائر السنن سواها : أي سوى سنة الفجر فلا تقضى بعد الوقت إذا كانت وحدها . واختلف المشايخ إذا فاتت مع الفرض : قيل لا تقضى ، وقيل تقضى بناء على جعل الوارد في قضاء سنة الفجر وأراد في غيره من السنن الفائتة مع فرائضها إلغاء لخصوص المحل .




الخدمات العلمية