الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              المطلب الأول: العين الموقوفة:

              يقصد بالعين الموقوفة، العين التي وقع فعل الوقف عليها، وسيتناول البحث أهم المسائل الفقهية المتعلقة بها، وذلك كالآتي:

              - شروط (العين الموقوفة) :

              وضع الفقهاء شروطا للعين الموقوفة تتمثل بالآتي:

              1- أن تكون العين الموقوفة مالا متقوما:

              عرف ابن عابدين المال بقوله: «ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة» [1] . وعرفه السيوطي بقوله: «أما المـال، فقال الشافعي، رضي الله عنه: لا يقع اسـم مال إلا على ما له قيمة يباع بها، وإن قلت، وما لا تطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك». [2] [ ص: 46 ] وقال الزركشي: «المال ما كان منتفعا به، أي مستعدا لأن ينتفع به، وهو إما أعيان أو منافع». [3] وقال شرف الدين المقدسي: «المال ما يباح نفعه مطلقا، أو اقتناؤه لغير حاجة أو ضرورة» [4] . فالمال عند الشافعية والمالكية والحنابلة كل ما له قيمة بين الناس، ويلزم متلفه بضمان، ويباح شرعا الانتفاع به حال السعة والاختيار [5] ، بخلاف الحنفية الذين لا يعتبرون المنافع أموالا وكذلك عدوا الخمر والخنـزير مالا بالنسبة لغير المسلم [6] .

              أما الكبيسي فقد عرف المال المتقوم بأنه: «ما كان في حيازة الإنسان وجاز الانتفاع به شرعا في حال السعة والاختيار، كالنقود والكتب والعقارات» [7] .

              ويستنبط من تعريف الجمهور أن مالية الشيء تتحقق إذا توافر فيها أمران:

              أ- الحيازة.

              ب- إمكانية الانتفاع به. [ ص: 47 ] وبهذا الشرط يخرج ما لا يصح بيعـه كأم ولد، والكلب، والمرهون، وما لا ينتفع به مع بقائه كالمطعوم والمشموم [8] .

              2- أن يكون معلوما:

              يشترط الفقهاء لصحة الوقف، أن يكون الوقف غير مبهم، أي محددا، وعلى هذا فلو قال الواقف: وقفت جزءا من أرضي، ولم يعينه كان الوقف باطلا، وكذلك لو قال: وقفت إحدى داري هاتين ولم يعين [9] .

              3- أن يكون ملكا للواقف:

              اتفق الفقهاء على أن الوقف لا يصح ولا يلزم إلا إذا كانت العين الموقوفة مملوكة للواقـف؛ لأن الوقـف تصرف يلحق رقبة العين الموقوفة، مما يحتم ملكية الواقف لها، أو مالكا لحق التصرف بالرقبة حين الوقف، وذلك بالوكالة عن صاحب الموقوف أو الوصاية منه.

              4- أن يكون ناجزا:

              يشترط في الوقف أن يكون ناجزا، فلا يصح كونه معلقا أو محددا، والناجز هو الذي يخرجه من ملكيته في الحال، يقول: وقفت هذا الدار فيخرجه من ملكيته في الحال، فـكان وقفا ناجزا. وغير الناجز هو المعلق، [ ص: 48 ] فلو قـال: إذا أغنـاني الله عن داري فهي وقـف، فهذا وقف غير ناجز، فلا ينجز إلا إذا أنجزه.

              كما لا يصح الوقف مؤقتا ولا معلقا إلا بموت، فينفذ في حدود الثلث كالوصية. ولا يصح تعليق الوقف على شرط مستقبل، كأن يقول: إذا جاء رأس الشهر فداري وقف أو فرسي حبس، ونحو ذلك؛ لأنه عقد يبطل بالجهالة، فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع.

              وكذلك لا يجوز قول الواقف: (وقفت هذا على الفقراء سنة مثلا) لأن الوقف على التأبيد، فإذا جعله إلى مدة كان باطلا. وذهب الإمام مالك إلى أن الوقـف يجوز أن يكون مؤقتا، وقال في تبيـين المسالك: «لا التنجيز ولا التأبيد في مذهب مالك».

              التالي السابق


              الخدمات العلمية