الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - المطلب الأول: الوقف على المدارس والمكتبات:

              لم تقتصر المخصصات الوقفية على بناء المساجد، بل شملت الكتاتيب والمدارس لكون الإنفاق على التعليم قربة لله تعالى، لذا ألحق بالمساجد كتاتيب تشبه المدارس الابتدائية تعلم القراءة والكتابة واللغة العربية والعلوم الرياضية، وقد بلغت الكتاتيب التي تم تمويلها بأموال الوقف أعدادا كبيرة، فمثلا عد ابن حوقل منها ثلاثمائة كتاب في مدينة واحدة من مدن صقلية، وذكر أن الكتاب الواحد كان يتسع للمئات أو الألوف من الطلبة [1] . [ ص: 180 ] ولم تقتصر الأموال الموقوفة على عمارة المدارس فقط بل شملت صيانة المدارس وتجهيزها بالأثاث واللوازم المدرسية ودفع مرتبات العاملين فيهـا. وبعض الأوقاف شملت توفير مساكن للطلبة وتقديم الطعام للطلاب والعاملين في المدرسة، كما أن بعض الأوقـاف شمـلت المعالجـة الطبية والملابس كما حدث في بعض المدارس الموقوفة في القدس.

              والمدارس، التي قامت على دعم الوقف، إذ تتفاوت في إمكاناتها المادية وما تقدمه من خدمات، حسب مكانة الواقف وما خصصه من مال، تفاوتت أيضا في فروع المعرفة التي تدرسها من حيث الكم والكيف، فهناك مثلا المدارس الطبية التي ألحقت بالمستشفيات والتي كانت منتشرة في مصر، حيث يتعلم الطلاب الطب والحالات السريرية تحت إشراف أساتذتهم.

              وينقل الرحالة العربي المشهور ابن جبير انبهاره مما شاهد في القاهرة في مدرسة الإمام الشافعي، التي وقفها ووقف بيته عليها، كما انبهر من إحدى مدارس الإسكندرية [2] .

              أما ابن بطوطة فيقول عن مصر والعراق وسوريا: إنها عامرة بالمعاهد العلمية الموقوفة، ويذكر أنه استفاد منها، كما وصف أحوال عشرين مدرسة جامعة في دمشق عاشت على أموال الـبر والخـير والوقف، أما في بغداد فلا يختلف عدد المدارس عما شاهده في دمشق [3] . [ ص: 181 ] ولأهمية الكتاب في عملية التعليم والتعلم اهتم الواقفون على المدارس بتوفير أكبر قدر من الكتب المشتملة على المعارف المختلفة، حيث خصص لها جزء كبير من ريع الأوقاف، ثم أخذت هذه الكتب تزداد من خلال إيقاف العديد من المحسنين سواء من مؤلفاتهم الخاصة أو من شرائهم للكتب وإيقافها أو تزويد القائمين على هذه المدارس بمبالغ لشراء ما يلزم من كتب، ومن أقدم المدارس التي احتوت على مكتبات: المدرسة البيهقية في نيسابور، التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع الهجري تقريبا.

              أما عن المكتبات العامة (دور الكتب أو العلم) فقد سارع الأغنياء والعلماء والأمراء إلى تأسيسها ووقف الكتب والأموال عليها لإدامتها وتنميتها والإنفاق على أربابها، لتسـهم في إثراء المسيرة العلمية والثقافية، من ذلك: دار علم الموصل في العراق التي أنشأها أبو القاسم جعفر بن محمد ابن حمدان الموصلي الشافعي (ت323هـ) ، وفيها خزانة كتب تحوي جميع العلوم، وقفها على طلبة العلم، وكان يعطي الغرباء من الطلاب الورق والورق.. كان يجلس فيها ليملي على من يجتمع فيها من الناس الشعر والنوادر والفقه.

              ومن دور العـلم كذلك في العراق: دار الكتب في البصـرة، يذكر أنها كانت أول دار كتب عملت في الإسلام فيها، يقول ابن الأثير: إنها أول دار وقفت في الإسلام، وقد رآها عضد الدولة فقال: (هذه مكرمة سبقنا إليها) [4] . [ ص: 182 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية