مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : حدثني سلمة بن عبيد الله الخطمي ، عن محمد بن كعب القرظي أنه سمع رجلا من بني وائل يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " " . تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا
قال الماوردي : وهذا كما قال .
بدلالة الكتاب والسنة والإجماع ، وقال تعالى : الجمعة من فروض الأعيان ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع [ الجمعة : 9 ] . فأوجب السعي إليها ، وأوجب ترك البيع لأجلها ، ثم قال عز وجل بعد ذلك على سبيل الذم لمن تخلف عنها : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين [ الجمعة : 11 ] .
وكان سبب ذلك ما روي أن رباح بن ربيعة بن صيفي ، وهو ابن أخي أكثم بن صيفي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لليهود يوم ، وللنصارى يوم ، فلو كان لنا يوم ، فنزلت سورة الجمعة .
وقال سبحانه على سبيل " القسم " في سورة البروج وشاهد ومشهود [ البروج : 3 ] . قال أهل التفسير : الشاهد : الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة ، وقد رواه عطاء ، وابن المسيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذا دليل الكتاب .
[ ص: 401 ] وأما السنة ، فروى الشافعي عن سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ولليهود غدا ، وللنصارى بعد غد . " نحن الآخرون السابقون ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهذا اليوم الذي ضل عنهم ، فهدانا الله له ، الناس لنا فيه تبع ، فاليوم لنا ،
وروى سعيد بن المسيب عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : . توبوا إلى ربكم ، عز وجل ، قبل أن تموتوا ، وبادروا إلى ربكم سبحانه بالأعمال الصالحة ، واعلموا أن الله سبحانه فرض عليكم الجمعة في عامي هذا ، في شهري هذا ، في ساعتي هذه ، فريضة مكتوبة ، فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي إلى يوم القيامة جحودا بها ، واستخفافا بحقها ، فلا جمع الله تعالى له شملا ، ولا بارك له في أمره ، ألا لا صلاة له ، ألا لا صوم له ، ألا لا حج له ، ألا لا زكاة له ، ألا لا صدقة له ، ألا ولا بر له ، فمن تاب تاب الله عليه
وروى أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة في كل يوم جمعة ، إلا مريضا ، أو مسافرا ، أو امرأة ، أو صبيا ، أو مملوكا .
وروى أبو الجعد الضمري وكانت له صحبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : . لا يترك الجمعة رجل ثلاثا تهاونا بها إلا طبع الله على قلبه
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : فقد نبذ الإسلام وراء ظهره ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر . من
وكان ما حكاه أهل السير ، ونقله أصحاب الحديث ، أن رسول [ ص: 402 ] الله صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى ابتداء أمر الجمعة المدينة أنفذ إليها وهو بمكة مصعب بن عمير أميرا عليها ، وأمره أن يقيم الجمعة ، وكان يدعى القارئ ، فخرج مصعب من مكة حتى ورد المدينة ، فنزل على أسعد بن زرارة ، وكان من النقباء فأخبره بأمر الجمعة وأحب مصعب أن يشرف أسعد فأمره أن يتولى الصلوات بنفسه ، فصلى أسعد بالناس الجمعة ، في حي بني بياضة بأمر مصعب " وكانت أول جمعة صليت في الإسلام ، فإن قيل فلم أمر مصعبا بإقامتها بالمدينة ، ولم يصلها هو وأصحابه بمكة ؟ قيل : يحتمل أمرين : أحدهما : قلة أصحابه عن العدد الذي تنعقد به الجمعة : لأنهم كانوا دون الأربعين حتى تموا بعمر رضي الله عنه . والثاني : وكأنه أشهر أن من شأن الجمعة إظهارها وانتشار أمرها ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفا من قريش لا يقدر على مجاهرتهم بها ، فلذلك لم يصلها ، على أنه يجوز أن تكون الجمعة ، قبل الهجرة ، لم تفرض على الأعيان ، ثم فرضت على الأعيان بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأن جابرا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره بالمدينة فدل على أن الجمعة لم تكن فرضا قبل ذلك اليوم . وقد كان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية عروبة ، قال الشاعر : إن الله ، عز وجل ، فرض عليكم الجمعة في عامي هذا ، في شهري هذا ، في ساعتي هذه
نفسي الفداء لأقوام هم خلطوا يوم العروبة أورادا بأوراد
وكانوا يسمون الأحد أول ، والإثنين أهون ، والثلاثاء جبارا ، والأربعاء دبارا ، والخميس مؤنسا ، والجمعة عروبة .قال الشاعر :
أؤمل أن أعيش وإن يومي بأول أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار فإن أفته فمؤنس أو عروبة أو شيار