الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وله أن يفطر في أيام رمضان في سفره ويقضي . فإن صام فيه أجزأه ، وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في سفر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال كل من جاز له القصر في سفره جاز له الفطر فيه لقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] ، ولما روى حمزة بن عمرو الأسلمي قال : كنت رجلا أسرد الصوم فقلت : يا رسول الله ، أصوم في سفري أو أفطر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر .

                                                                                                                                            فإن أفطر في سفره فعليه القضاء لقوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] .

                                                                                                                                            وإن صام فيه أجزأه ، ولا إعادة عليه وهو قول جمهور الفقهاء . وقال داود بن علي لا يصح الصوم في السفر ، فإن صام [ فيه ] لم يجزه ، ووجب عليه القضاء .

                                                                                                                                            وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة ، رضي الله عنهم ، تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : ليس من البر الصيام في السفر وإذا لم يكن الصوم برا لم يجزه عن فرضه لأن الصوم قربة .

                                                                                                                                            وبما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر فلما كان على المفطر في الحضر القضاء وجب أن يكون على الصائم في السفر القضاء : لأنه صلى الله عليه وسلم شبه أحدهما بالآخر ، وهذا خطأ : لقوله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر .

                                                                                                                                            [ ص: 368 ] ولقول عائشة ، رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره يصوم ويتم ويقصر .

                                                                                                                                            ولحديث أنس بن مالك ، ولأن الفطر رخصة ، والصوم عزيمة ، وفعل العزيمة أولى من الأخذ بالرخصة ، وإذا ثبت جواز الصوم في السفر فلا يختلف أصحابنا أنه أولى من الفطر ، وأفضل : لأن الفطر مضمون بالقضاء ، وفواته غير مأمون ، فأما قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصيام في السفر " . فهذا ورد على سبب ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم : مر برجل ، وقد أحدق به الناس ، فسأل عنه فقيل مسافر ، قد أجهده الصوم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصيام في السفر " . وعندنا أن من أجهده الصوم ففطره أولى به .

                                                                                                                                            وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " ، فالمراد به من لم ير الفطر في السفر جائزا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية