الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما دلائل القبلة التي يتوصل بها المجتهد إلى جهة القبلة فهي الشمس في مطلعها ، ومغربها ، والقمر في سيره ومنازله ، والنجوم في طلوعها ، وأفولها ، والرياح الأربع في هبوبها ، والجبال في مراسيها ، والبحار في مجاريها إلى غير ذلك من الدلائل التي يختص كل فريق بنوع منها ، قال الله تعالى : وعلامات وبالنجم هم يهتدون [ النحل : 16 ] ، وقال تعالى : وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر [ ص: 72 ] [ الأنعام : 79 ] فإذا أداه اجتهاده إلى إحدى هذه العلامات أن القبلة في جهة من الجهات استقبلها ، وصلى إليها ، فلو كانوا جماعة واتفق اجتهاد جميعهم جاز أن يصلوا جماعة ويأتموا بأحدهم ، وإن اختلف اجتهادهم ، وكان كل واحد منهم يرى القبلة في جهة غير جهة صاحبه صلى كل واحد منهم إلى جهته ، ولم يجز أن يقلد غيره لتكافئهم ، ولا يجوز أن يأتموا بأحدهم جماعة ، وهو قول الجماعة إلا أبو ثور ، فإنه جوز ذلك كأهل مكة يأتمون بمن في مقابلتهم وهذا خطأ : لأن المأموم يعتقد فساد صلاة إمامه لعدوله عن قبلته ، ومن ائتم بمن يعتقد بطلان صلاته بطلت صلاته ، كمن اعتقد حدث إمامه ، وخالف أهل مكة ، لأن جميعهم على قبلة واحدة لا يعتقد بعضهم فساد صلاة بعض ، ثم إذا اجتهد الرجل لفرض صلاة وما شاء من النوافل ولم يجز أن يصلي فرضا ثانيا إلا بالاجتهاد ثانيا ، كالمتيمم ، فإن وافق اجتهاده الثاني للأول صلى ، وإن اختلف الاجتهادان فكان الأول إلى الشرق ، والثاني إلى الغرب ، صلى الثانية إلى الغرب ، ولم يعد الأولى التي صلاها إلى الشرق ، لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد ، فلو كان حين اجتهد أولا تساوت عنده جهتان مختلفتان على كل واحدة منهما بأمارات دالة ، ولم يترجح عنده أحدهما ففيه لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون مخيرا في الصلاة إلى أي الجهتين شاء

                                                                                                                                            والثاني : أنه يصلي في أحد الجهتين ويعيد في الأخرى

                                                                                                                                            وأصل هذين الوجهين اختلافهم في العامي إذا أفتاه فقيهان بجوابين مختلفين فأحد الوجهين يكون مخيرا فكذا في الجهتين

                                                                                                                                            والثاني : يأخذ بأغلظ الجوابين فعلى هذا يصلي إلى الجهتين

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية