الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
الموالي من العلماء والرواة .


994 - وربما إلى القبيل ينسب مولى عتاقة وهذا الأغلب      995 - أو لولاء الحلف كالتيمي
مالك أو للدين كالجعفي      996 - وربما ينسب مولى المولى
نحو سعيد بن يسار أصلا

( الموالي من العلماء والرواة ) وهو من المهمات ، لا سيما ( وربما إلى القبيل ) أي : القبيلة ، إحدى القبائل ، وهي البطون التي هو الأصل في النسبة ( ينسب مولى عتاقة ) ; كأبي العالية رفيع الرياحي التميمي التابعي كان مولى امرأة من بني رياح ، [ ص: 394 ] ومكحول الشامي الهذلي كان - كما قال الزهري - عبدا نوبيا أعتقته امرأة من هذيل ، وأبي البختري سعيد بن فيروز الطائي وعبد الله بن المبارك الحنظلي وعبد الله بن صالح الجهني كاتب الليث وغيرهم مع إطلاق النسبة في كل منهم بحيث يظن أنه ممن نسب كذلك صليبة أي : من ولد الصلب .

( وهذا ) أي : الانتساب للعتاقة وإن كان قليلا بالنسبة للأصل في الانتساب والحقيقة ( هو الأغلب ) بالنظر لما بعده ، فالخارج عن الأصل والظاهر إما للعتاقة كما تقرر ، ( أو لولاء الحلف ) الذي أصله المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق ، وأبطل الإسلام منه ما كان في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات دون نصر المظلوم وصلة الأرحام ، وهم جماعة ( كالتيمي ) بالتشديد ، هو وما بعده ( مالك ) هو ابن أنس ، إمام دار الهجرة ، فهو حميري أصبحي صليبة ، ولكن لكون نفره أصبح حلفاء عثمان بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة القرشي التيمي أخي طلحة ، نسب تيميا ، أو لولاء المصاحبة بإجارة أو تعلم أو نحو ذلك كمالك أيضا ; فإنه قيل : إنما انتسب تيميا ; لكون جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا ، أي : أجيرا لطلحة بن عبيد الله المذكور حين كان طلحة يختلف في التجارة ، وكمقسم ، قيل له : [ ص: 395 ] مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ; لملازمته له ، كما سلف في المنسوبين إلى خلاف الظاهر ، وعند الطبراني مرفوعا : ( من علم عبدا آية من كتاب الله تعالى فهو مولاه ) الحديث .

ونحوه قول شعبة : من كتبت عنه حديثا فأنا له عبد أو الديوان كالليث بن سعد الفهمي ; فإنه مولى قريش ، ولكن لكونهم افترضوا في فهم نسب إليهم ، أو للاسترضاع كعبد الله بن السعدي الصحابي ، فقد قال ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) : إنه إنما قيل لأبيه السعدي ; لكونه استرضع له في بني سعد بن بكر ، أو للمجاورة .

( أو لـ ) ولاء ( الدين ) والإسلام ( كالجعفي ) بضم الجيم ثم مهملة ساكنة وفاء إمام الصنعة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري ; فإنه انتسب كذلك ; لأن جد أبيه المغيرة كان مجوسيا فأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي والد جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان المسندي الجعفي شيخ البخاري ، وكأبي علي الحسن بن عيسى بن ماسرجس الماسرجسي ، بفتح السين المهملة وكسر الجيم ; فإنه كان نصرانيا وأسلم على يد ابن المبارك ، فقيل له : مولى ابن المبارك وكإبراهيم بن داود الآمدي أحد شيوخ شيخنا ; فإنه أسلم [ ص: 396 ] على يد التقي ابن تيمية فعرف به ، أو لغير ذلك مما لا نطيل به ، مما أشار البخاري في تفسير النساء من صحيحه ، لبعضه ، وقال أبو إسحاق الزجاج : كل من يليك أو والاك فهو مولى .

( وربما ) توسع حيث ( ينسب ) للقبيلة من يكون ( مولى المولى ) لها ( نحو سعيد بن يسار ) بتحتانية مثناة ثم مهملة خفيفة ، أبي الحباب الهاشمي ; فإنه لكونه مولى شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب ( أصلا ) أي : للأصل بني هاشم ، وعلى هذا اقتصر ابن الصلاح ، وقيل : إنه مولى الحسن بن علي رضي الله عنهما .

وقيل : مولى أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها ، وقيل : مولى بني النجار ، وعليهما فليس بمولى لبني هاشم ، وكعبد الله بن وهب القرشي الفهري المصري ; فإنه مولى يزيد بن رمانة ، ويزيد مولى يزيد بن أنيس الفهري ، وفي وقتنا أحمد بن محمد بن بركوت المكيني ، نسب لمكين الدين اليمني ; لكونه معتق سيد معتق بركوت .

وقد أفرد الموالي لكن من المصريين خاصة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي ، وأفردت موالي النبي صلى الله عليه وسلم خاصة في كراسة ، ولا يعرف [ ص: 397 ] تمييز كل هذا إلا بالتنصيص عليه ، وهو من الضروريات ; لاشتراط حقيقة النسب في الإمامة العظمى ، والكفاءة في النكاح والتوارث وغيرها من الأحكام الشرعية ، ولاستحباب التقديم به في الصلاة وغيرها ، وإن كان قد ورد في الحديث الصحيح : ( مولى القوم من أنفسهم ) . وقال أبو داود في سننه عن أبي جعفر محمد بن عيسى بن الطباع : كنا نقول : إنه - يعني عنبسة بن عبد الواحد القرشي ـ من الأبدال قبل أن نسمع أن الأبدال من الموالي ، وكان جماعة من سادات العلماء في زمن السلف من الموالي ، فروى مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لما تلقاه نائب مكة إلى أثناء الطريق في حج أو عمرة قال له : من استخلفت على أهل الوادي ؟ قال : ابن أبزى . قال : ومن ابن أبزى ؟ قال : رجل من الموالي . فقال : أما إني سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله تعالى يرفع بهذا العلم أقواما ويضع به آخرين ) .

وذكر الزهري أن عبد الملك بن مروان ، قال له : من يسود أهل مكة ؟ فقلت : عطاء . قال : فأهل اليمن ؟ قلت : طاوس . قال : فأهل الشام ؟ قلت : مكحول . قال : فأهل مصر ؟ فقلت : يزيد بن أبي حبيب . قال : فأهل الجزيرة ؟ فقلت : ميمون بن مهران . قال : فأهل خراسان ؟ قلت : الضحاك بن مزاحم . قال : فأهل البصرة ؟ فقلت : الحسن بن أبي الحسن . قال : فأهل الكوفة ؟ فقلت : إبراهيم النخعي . وذكر أنه يقول له عند كل واحد : من العرب أم من الموالي ؟ قال فيقول : من الموالي إلا النخعي ; فإنه من العرب ، [ ص: 398 ] فقال له : ويلك يا زهري ! فرجت عني . يعني لذكره عربيا ، ثم قال : والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها ، فقلت : يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه ، فمن حفظه ساد ، ومن ضيعه سقط .

قال المصنف : وهذا من عبد الملك إما فراسة ، أو بلغه من أهل العلم أو أهل الكتاب ، قال ابن الصلاح : وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة ; فإن الله خصها بقرشي ، فكان فقيهها بغير مدافع سعيد بن المسيب ، ثم قال ابن الصلاح : وفي هذا بعض الميل ، فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير ، منهم الشعبي والنخعي ، بل جميع فقهاء المدينة السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب سوى سليمان بن يسار ، قال البلقيني : ويمكن أن يقال : إن الشعبي والنخعي لم يكونا حين موت العبادلة في طبقة سعيد ، وما عداهما فهم بالمدينة .

وسأل بعض الأعراب رجلا من أهل البصرة : من سيد هذه البلدة ؟ قال : الحسن بن أبي الحسن البصري . قال : أمولى هو ؟ قال : نعم . قال : فبم سادهم ؟ فقال : بحاجتهم إلى علمه وعدم احتياجه إلى دنياهم . فقال الأعرابي : هذا لعمر أبيك هو السؤدد . ونحوه قول عبد الملك للزهري في القصة الماضية : وبم سادهم عطاء ؟ قلت : بالديانة والرواية . قال : إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا . وقال الشاطبي :


أبو عمر هم واليحصبي ابن عامر     صريح وباقيهم أحاط به الولا

.

[ ص: 399 ] واعلم أن المولى من الأسماء المشتركة بالاشتراك اللفظي الموضوعة لكل واحد من الضدين ; إذ هي موضوعة للمولى من أعلى ، وهو المنعم المعتق ، بكسر المثناة ، والمولى من أسفل ، وهو المعتق بفتحها ، ومعرفة كل منهما مهمة ; ولذا قال شيخنا في النخبة : ومعرفة الموالي من أعلى ومن أسفل ، وغفل الكمال الشمني في شرح هذا الموضع منها عن مراده ، فجعل مولى المولى هو الأسفل ، وما عداه الأعلى ، وتبعه ولده رحمة الله تعالى عليهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية