الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن ؟ كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر إن صح . قال العز بن جماعة : لا على المشهور . وقال شيخنا : إنه محل نظر . والراجح عدم الدخول ، وإلا لعد من اتفق أن يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الأعصار ، وكذلك من كشف له عنه من الأولياء فرآه كذلك على طريق الكرامة ; إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر الحياة ، وهذه الحياة ليست دنيوية ، وإنما هي أخروية ، لا تتعلق بها أحكام الدنيا ; فإن الشهداء أحياء ، ومع ذلك فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على سنن غيرهم من الموتى . انتهى .

وسبقه شيخه المؤلف فمال أيضا إلى المنع ; فإنه قال في التقييد الظاهر اشتراط الرؤية وهو حي ، لكنه علله بما هو غير مرضي ; حيث قال : فإنه قد انقطعت النبوة بوفاته - صلى الله عليه وسلم - . ولذا لما أشار ابن جماعة إلى حكايته مع إبهام قائله توقف فيه وقال : إنه محل بحث وتأمل . بل أضرب المؤلف نفسه في شرحه عن التعليل به مقتصرا على الحكم فقط ، وكأنه رجوع منه عنه .

وقال العلائي : إنه لا يبعد أن يعطى حكم الصحبة ; لشرف ما حصل له من [ ص: 82 ] رؤيته - صلى الله عليه وسلم - قبل دفنه وصلاته عليه . قال : وهو أقرب من عد المعاصر الذي لم يره أصلا فيهم ، أو الصغير الذي ولد في حياته . وقال البدر الزركشي : ظاهر كلام ابن عبد البر نعم ; لأنه أثبت الصحبة لمن أسلم في حياته وإن لم يره ، يعني فيكون من رآه قبل الدفن أولى . وجزم البلقيني بأنه يعد صحابيا ; لحصول شرف الرؤية له ، وإن فاته السماع ، قال : وقد ذكره في الصحابة الذهبي في التجريد . وما جنح إليه شيخنا من ترجيح عدم دخوله قد سبقه إليه الزركشي ، فقال : الظاهر أنه غير صحابي . انتهى . وعلى هذا فيزاد في التعريف : قبل انتقاله من الدنيا .

وكذا لا يدخل من رآه في المنام ; كما جزم به البلقيني ثم شيخنا ، وإن كان قد رآه ، فذلك فيما يرجع إلى الأمور المعنوية ، لا الأحكام الدنيوية ، حتى لا يجب عليه أن يعمل بما أمره به في تلك الحالة . بل جزم البلقيني بعدم دخول من رآه ليلة الإسراء ، يعني من الأنبياء والملائكة عليهم السلام ممن لم يبرز إلى عالم الدنيا . وبهذا القيد دخل فيهم عيسى ابن مريم عليه السلام ; ولذا ذكره الذهبي في تجريده ، وتبعه شيخنا ووجهه باختصاصه عن غيره من الأنبياء بكونه رفع على أحد القولين حيا ، وبكونه ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال ويحكم بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فبهذه الثلاث يدخل في تعريف الصحابة .

وجعل بعضهم دخول الملائكة فيهم مبنيا على أنه هل كان مبعوثا إليهم أم لا ؟ وعلى الثاني مشى الحليمي وأقره البيهقي في الشعب . بل نقل الفخر الرازي في ( أسرار التنزيل ) الإجماع عليه ، وحكاه والبرهان النسفي في تفسيرهما ، ونوزعا في ذلك . ورجح التقي السبكي مقابله ; محتجا بما يطول شرحه .

قال شيخنا : وفي صحة بناء دخولهم في الصحابة على هذا الأصل نظر لا يخفى . وما قاله ظاهر ، لكنه خالفه في الفتح ; حيث مشى على البناء المشار إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية