الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
و ( قيل : لا ) يحكم بعدالة ( من دخلا ) منهم ( في فتنة ) من الفتن الواقعة من حين مقتل عثمان - رضي الله عنه - ; كالجمل وصفين ، من الفريقين إلا بعد البحث عنها . وعن بعضهم ردهم ، كأنه مطلقا . وقيل : يقبل الداخل فيها إذا انفرد ; لأن الأصل العدالة ، وشككنا في ضدها ، ولا تقبل مع مخالفه ; لتحقق إبطال أحدهما من غير تعيين . وقيل : إن القول بالعدالة يخص بمن اشتهر منهم ، ومن عداهم كسائر الناس فيهم العدول وغيرهم . قال المازري في ( شرح البرهان ) : لسنا نعني بقولنا : الصحابة عدول ، كل من رآه - صلى الله عليه وسلم - يوما ما ، أو زاره أو اجتمع به لغرض وانصرف عن قريب ، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ، فأولئك كما قال الله : ( هم المفلحون ) . ولم يوافق المازري على ذلك ; ولذا اعترضه غير واحد . وقال العلائي : إنه قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة ; كوائل بن حجر ومالك بن الحويرث وعثمان بن أبي العاص ، وغيرهم ممن وفد عليه - صلى الله عليه وسلم - ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف ، وكذلك من لا يعرف إلا برواية الحديث الواحد ، أو لم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل .

قال شيخنا : وقد كان تعظيم الصحابة ، ولو كان اجتماعهم به - صلى الله عليه وسلم - قليلا ، مقررا عند الخلفاء الراشدين وغيرهم ، ثم ساق بسند رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري ، أنه كان متكئا فذكر من عنده عليا ومعاوية رضي الله عنهما ، فتناول رجل معاوية ، فاستوى جالسا ثم قال : ( كنا ننزل رفاقا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكنا في رفقة فيها [ ص: 100 ] أبو بكر ، فنزلنا على أهل أبيات ، وفيهم امرأة حبلى ، ومعنا رجل من أهل البادية ، فقال للمرأة الحامل : أيسرك أن تلدي غلاما ؟ قالت : نعم ، فقال : إن أعطيتني شاة ولدت غلاما . فأعطته ، فسجع لها أسجاعا ثم عمد إلى الشاة فذبحها وطبخها ، وجلسنا نأكل منها ومعنا أبو بكر ، فلما علم بالقصة قام فتقيأ كل شيء أكل . قال : ثم رأيت ذلك البدوي قد أتى به عمر بن الخطاب وقد هجا الأنصار ، فقال لهم عمر : لولا أن له صحبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أدري ما نال فيها لكفيتكموه ، ولكن له صحبة . قال : فتوقف عمر عن معاتبته ، فضلا عن معاقبته ; لكونه علم أنه لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفي ذلك أبين شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أن شأن الصحبة لا يعدله شيء ، كما ثبت في حديث أبي سعيد الماضي . وقال الإمام أحمد بعد ذكر العشرة والمهاجرين والأنصار : ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; القرن الذي بعث فيهم ، كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ، ونظر إليه نظرة . فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ، ولو لقوا الله بجميع الأعمال كان هؤلاء الذين صحبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأوه وسمعوا منه وآمنوا به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين ، ولو عملوا كل أعمال الخير .

وبالجملة ، فما قاله المازري منتقد ، بل كل ما عدا المذهب الأول القائل بالتعميم باطل ، والأول هو الصحيح ، بل الصواب المعتبر ، وعليه الجمهور كما قال الآمدي وابن الحاجب ; يعني من السلف والخلف . زاد الآمدي : وهو المختار . وحكى ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) إجماع أهل الحق من المسلمين ، وهم أهل السنة والجماعة ، عليه ، سواء من لم يلابس الفتن منهم أو لابسها ; إحسانا للظن بهم ، وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد ، فتلك أمور مبناها عليه ، وكل [ ص: 101 ] مجتهد مصيب ، أو المصيب واحد ، والمخطئ معذور ، بل مأجور .

التالي السابق


الخدمات العلمية