الفصل السادس : في التعزير والتعزير تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود ، ويختلف حكمه باختلاف حاله وحال فاعله ، فيوافق الحدود من وجه أنه تأديب استصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب : أحدها أن ويخالف الحدود من ثلاثة أوجه أخف من تأديب أهل البذاءة والسفاهة ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { تأديب ذي الهيبة من أهل الصيانة } . أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم
فتدرج في الناس على منازلهم : فإن تساووا في الحدود المقدرة فيكون تعزير من جل قدره بالإعراض عنه ، وتعزير من دونه بالتعنيف له وتعزير بزواجر الكلام وغاية الاستحقاق الذي لا قذف فيه ولا سبب ، ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الحبس الذي يحبسون فيه على حسب ذنبهم وبحسب هفواتهم ، فمنهم من يحبس يوما ، ومنهم من يحبس أكبر منه إلى غاية مقدرة .
وقال أبو عبد الله الزبيري من أصحاب تقدر غايته بشهر للاستبراء والكشف وبستة أشهر للتأديب والتقويم ثم يعدل بمن دون ذلك إلى النفي والإبعاد إذا تعدت ذنوبه إلى اجتذاب غيره إليها واستضراره بها [ ص: 294 ] واختلف في غاية نفيه وإبعاده . الشافعي
فالظاهر من مذهب تقدر بما دون الحول ولو بيوم واحد لئلا يصير مساويا لتعزير الحول في الزنا ، وظاهر مذهب الشافعي أنه يجوز أن يزاد فيه على الحول بما يرى من أسباب الزواجر ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الضرب ينزلون فيه على حسب الهفوة في مقدار الضرب وبحسب الرتبة في الامتهان والصيانة . مالك