باب . حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها
( قال : ) : رحمه الله تعالى قال : لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه أنت عربي والقرآن نزل بلسان من أنت منهم وأنت أدرى بحفظه وفيه لله فرائض أنزلها لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها استتبته فإن تاب وإلا قتلته وقد قال : عز وجل في القرآن { الشافعي تبيانا لكل شيء } فكيف جاز عند نفسك أو لأحد في شيء فرضه الله أن يقول مرة الفرض فيه عام ومرة الفرض فيه خاص ومرة الأمر فيه فرض ومرة الأمر فيه دلالة ؟ وإن شاء ذو إباحة وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر أو حديثان أو ثلاثة حتى يبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرئون أحدا لقيتموه وقدمتموه في الصدق والحفظ ولا أحدا لقيت ممن لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطئ في حديثه بل وجدتكم تقولون لغير واحد منهم أخطأ فلان في حديث كذا وفلان في حديث كذا ووجدتكم تقولون لو قال رجل لحديث أحللتم به وحرمتم من علم الخاصة لم يقل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخطأتم أو من حدثكم وكذبتم أو من حدثكم لم تستتيبوه ولم تزيدوه على أن تقولوا له بئسما قلت : أفيجوز أن يفرق بين شيء من أحكام القرآن وظاهره واحد عند من سمعه بخبر من هو كما وصفتم فيه وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله وأنتم تعطون بها وتمنعون بها ؟ قال : فقلت : إنما نعطي من وجه الإحاطة أو من جهة الخبر الصادق وجهة القياس وأسبابها عندنا مختلفة وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض قال : ومثل ماذا ؟ قلت : إعطائي من الرجل بإقراره وبالبينة وإبائه اليمين وحلف صاحبه والإقرار أقوى من البينة والبينة أقوى من إباء اليمين ويمين صاحبه ونحن وإن أعطينا [ ص: 288 ] بها عطاء واحدا فأسبابها مختلفة .
قال : وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم وفيهم ما ذكرت من أمركم بقبول أخبارهم وما حجتكم فيه على من ردها قال : لا أقبل منها شيئا إذا كان يمكن فيهم الوهم ولا أقبل إلا ما أشهد به على الله كما أشهد بكتابه الذي لا يسع أحدا الشك في حرف منه أو يجوز أن يقوم شيء مقام الإحاطة وليس بها ؟ فقلت : له من علم اللسان الذي به كتاب الله وأحكام الله دله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والفرق بين ما دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينه من أحكام الله وعلم بذلك مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كنت لم تشاهده خبر الخاصة وخبر العامة قال : نعم قلت : فقد رددتها إذ كنت تدين بما تقول قال : أفتوجدني مثل هذا مما تقوم بذلك الحجة في قبول الخبر ؟ فإن أوجدته كان أزيد في إيضاح حجتك وأثبت للحجة على من خالفك وأطيب لنفس من رجع عن قوله لقولك فقلت : إن سلكت سبيل النصفة كان في بعض ما قلت دليل على أنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال عنه وأنت تعلم أن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغي أن تغفل من أمر دينك قال : فاذكر شيئا إن حضرك قلت : قال الله عز وجل { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } قال : فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة ؟ .
قلت : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه ؟ قلت : تعني بأن يبين لهم عن الله عز وجل مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال : إنه ليحتمل ذلك قلت : فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام ؟ قلت : وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا قال : يحتمل أن يكونا كما وصفت كتابا وسنة فيكونا شيئين ويحتمل أن يكونا شيئا واحدا قلت : فأظهرهما أولاهما وفي القرآن دلالة على ما قلنا وخلاف ما ذهبت إليه قال : وأين هي ؟ قلت : قول الله عز وجل { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا } فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان قبل فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة ؟ .
قلت إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها قال : فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى وقلت : افترض الله علينا اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم قال : وأين ؟ .
قلت : قال الله عز وجل { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وقال الله عز وجل { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وقال : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } قال : ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان بعض أصحابنا قال : إن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : لقد فرض الله جل وعز علينا اتباع أمره فقال : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } قال : إنه لبين في التنزيل أن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به وننتهي عما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قلت : والفرض علينا وعلى من هو قبلنا ومن بعدنا واحد ؟ قال : نعم فقلت : فإن كان ذلك علينا فرضا في اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنحيط أنه إذا فرض الله علينا شيئا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه ؟ .
قال : نعم قلت : فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في اتباع [ ص: 289 ] أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن في أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب علي أن أقبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وقلت له أيضا : يلزمك هذا في ناسخ القرآن ومنسوخه قال : فاذكر منه شيئا قلت : قال الله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } وقال في الفرائض { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } فزعمنا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل : الوصية نسخت الفرائض هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .
قال : هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صرت إلى أن قبول الخبر لازم للمسلمين لما ذكرت وما في مثل معانيه من كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه بل أتدين بأن علي الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيته الحق ولكن أرأيت العام في القرآن كيف جعلته عاما مرة وخاصا أخرى ، قلت له : لسان العرب واسع وقد تنطق بالشيء عاما تريد به الخاص فيبين في لفظها ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم ، وكذلك أنزل في القرآن فبين في القرآن مرة وفي السنة أخرى قال : فاذكر منها شيئا قلت : قال الله عز وجل { الله خالق كل شيء } فكان مخرجا بالقول عاما يراد به العام وقال : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى فهذا عام يراد به العام وفيه الخصوص وقال { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم وقال : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له } وقد أحاط العلم أن كل الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يدعون من دونه شيئا لأن فيهم المؤمن ومخرج الكلام عاما فإنما أريد من كان هكذا وقال : { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت } دل على أن العادين فيه أهلها دونها وذكرت له أشياء مما كتبت في كتابي فقال : هو كما قلت كله ولكن بين لي العام الذي لا يوجد في كتاب الله أنه أريد به خاص قلت : فرض الله الصلاة ألست تجدها على الناس عامة ؟ .
قال : بلى : قلت : وتجد الحيض مخرجات منه ؟ قال : نعم وقلت : وتجد الزكاة على الأموال عامة وتجد بعض الأموال مخرجا منها ؟ قال : بلى : قلت : وتجد الوصية للوالدين منسوخة بالفرائض ؟ قال : نعم قلت : وفرض المواريث للآباء والأمهات والولد عاما ولم يورث المسلمون كافرا من مسلم ولا عبدا من حر ولا قاتلا ممن قتل بالسنة قال : نعم ونحن نقول ببعض هذا فقلت : فما دلك على هذا ؟ قال : السنة لأنه ليس فيه نص قرآن قلت : فقد بان لك في أحكام الله تعالى في كتابه فرض الله طاعة رسوله والموضع الذي وضعه الله عز وجل به من الإبانة عنه ما أنزل خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ؟ قال : نعم وما زلت أقول بخلاف هذا حتى بان لي خطأ من ذهب هذا المذهب ولقد ذهب فيه أناس مذهبين : أحد الفريقين لا يقبل خبرا وفي كتاب الله البيان قلت فما لزمه ؟ قال : أفضى به عظيم إلى عظيم من الأمر فقال من جاء بما يقع عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه لا وقت في ذلك ولو صلى ركعتين في كل يوم أو قال في كل أيام .
وقال : ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض وقال غيره : ما كان فيه قرآن يقبل فيه الخبر فقال : بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن فدخل عليه ما دخل على الأول أو قريب منه ودخل عليه أن صار إلى قبول الخبر بعد رده وصار إلى أن لا يعرف ناسخا ولا منسوخا ولا خاصا ولا عاما والخطأ قال : ومذهب الضلال في هذين المذهبين واضح لست أقول بواحد منهما ولكن هل من حجة في أن [ ص: 290 ] تبيح المحرم بإحاطة بغير إحاطة ؟ قلت نعم قال : ما هو ؟ .
قلت ما تقول في هذا لرجل أجنبي أمحرم الدم والمال ؟ قال : نعم قلت : فإن شهد عليه شاهدان بأنه قتل رجلا وأخذ ماله فهو هذا الذي في يديه قال : أقتله قودا وأدفع ماله الذي في يديه إلى ورثة المشهود له قال : قلت أويمكن في الشاهدين أن يشهدا بالكذب والغلط ؟ قال : نعم قلت : فكيف أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشاهدين وليسا بإحاطة قال : أمرت بقبول الشهادة قلت أفتجد في كتاب الله تعالى نصا أن تقبل الشهادة على القتل ؟ .
قال : لا ولكن استدلالا أني لا أؤمر بها إلا بمعنى قلت : أفيحتمل ذلك المعنى أن يكون لحكم غير القتل ما كان القتل يحتمل القود والدية ؟ قال : فإن الحجة في هذا أن المسلمين إذا اجتمعوا أن القتل بشاهدين قلنا : الكتاب محتمل لمعنى ما أجمعوا عليه وأن لا تخطئ عامتهم معنى كتاب الله وإن أخطأ بعضهم فقلت له أراك قد رجعت إلى قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والإجماع دونه قال : ذلك الواجب علي وقلت له : نجدك إذا أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشهادة وهي غير إحاطة ؟ قال كذلك أمرت : قلت : فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين في الظاهر فقبلتهما على الظاهر ولا يعلم الغيب إلا الله وإنا لنطلب في المحدث أكثر مما نطلب في الشاهد فنجيز شهادة البشر لا نقبل حديث واحد منهم ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ وبالكتاب والسنة ففي هذا دلالات ولا يمكن هذا في الشهادات قال : فأقام على ما وصفت من التفريق في رد الخبر وقبول بعضه مرة ورد مثله أخرى مع ما وصفت من بيان الخطأ فيه وما يلزمهم من اختلاف أقاويلهم وفيما وصفنا ههنا وفي الكتاب قبل هذا دليل على الحجة عليهم وعلى غيرهم فقال لي : قد قبلت منك أن أقبل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمت أن الدلالة على معنى ما أراد بما وصفت من فرض الله طاعته فأنا إذا قبلت خبره فعن الله قبلت ما أجمع عليه المسلمون فلم يختلفوا فيه وعلمت ما ذكرت من أنهم لا يجتمعون ولا يختلفون إلا على حق إن شاء الله تعالى أفرأيت ما لم نجده نصا في كتاب الله عز وجل ولا خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أسمعك تسأل عنه فتجيب بإيجاب شيء وإبطاله من أين وسعك القول بما قلت منه ؟ وأتى لك بمعرفة الصواب والخطأ فيه ؟ .
وهل تقول فيه اجتهادا على عين مطلوبة غائبة عنك أو تقول فيه متعسفا ؟ فمن أباح لك أن تحل وتحرم وتفرق بلا مثال موجود تحتذي عليه ؟ فإن أجزت ذلك لنفسك جاز لغيرك أن يقول بما خطر على قلبه بلا مثال يصير إليه ولا عبرة توجد عليه يعرف بها خطؤه من صوابه فأين من هذا إن قدرت ما تقوم لك به الحجة وإلا كان قولك بما لا حجة لك فيه مردودا عليك فقلت له : ليس لي ولا لعالم أن يقول في إباحة شيء ولا حظره ولا أخذ شيء من أحد ولا إعطائه إلا أن يجد ذلك نصا في كتاب الله أو سنة أو إجماع أو خبر يلزم فما لم يكن داخلا في واحد من هذه الأخبار فلا يجوز لنا أن نقوله بما استحسنا ولا بما خطر على قلوبنا ولا نقوله إلا قياسا على اجتهاد به على طلب الأخبار اللازمة ولو جاز لنا أن نقوله على غير مثال من قياس يعرف به الصواب من الخطأ جاز لكل أحد أن يقول معنا بما خطر على باله ولكن علينا وعلى أهل زماننا أن لا نقول إلا من حيث وصفت فقال الذي أعرف أن القول عليك ضيق إلا بأن يتسع قياسا كما وصفت ولي عليك مسألتان : إحداهما أن تذكر الحجة في أن لك أن تقيس والقياس بإحاطة كالخبر إنما هو اجتهاد فكيف ضاق أن تقول على غير قياس ؟ واجعل جوابك فيه أخصر ما يحضرك قلت إن الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء والتبيين من وجوه منها ما بين فرضه فيه ومنها ما أنزله جملة وأمر بالاجتهاد في طلبه ودل على ما يطلب به بعلامات خلقها في عباده دلهم بها على وجه طلب ما افترض عليهم فإذا أمرهم بطلب ما افترض ذلك - ذلك والله أعلم - على [ ص: 291 ] دلالتين : إحداهما أن الطلب لا يكون إلا مقصودا بشيء أن يتوجه له لا أن يطلبه الطالب متعسفا والأخرى أنه كلفه بالاجتهاد في التأخي لما أمره بطلبه قال : فاذكر الدلالة على ما وصفت قلت : قال الله عز وجل { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام } وشطره قصده وذلك تلقاؤه قال : أجل .
قلت : وقال : { هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } وقال : وسخر لكم النجوم والليل والنهار والشمس والقمر وخلق الجبال والأرض وجعل المسجد الحرام حيث وضعه من أرضه فكلف خلقه التوجه إليه فمنهم من يرى البيت فلا يسعه إلا الصواب بالقصد إليه ومنهم من يغيب عنه وتنأى داره عن موضعه فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم والشمس والقمر والرياح والجبال والمهاب كل هذا قد يستعمل في بعض الحالات ويدل فيها ويستغني بعضها عن بعض قال : هذا كما وصفت ولكن على إحاطة أنت من أن تكون إذا توجهت أصبت قلت : أما على إحاطة من أني إذا توجهت أصبت ما أكلف وإن لم أكلف أكثر من هذا فنعم قال : أفعلى إحاطة أنت من صواب البيت بتوجهك ؟ قلت : أفهذا شيء كلفت الإحاطة في أصله البيت وإنما كلفت الاجتهاد قال : فما كلفت ؟ قلت : التوجه شطر المسجد الحرام فقد جئت بالتكليف وليس يعلم الإحاطة بصواب موضع البيت آدمي إلا بعيان فأما ما غاب عنه من عينه فلا يحيط به آدمي قال : فنقول أصبت قلت : نعم على معنى ما قلت أصبت على ما أمرت به فقال : ما يصح في هذا جواب أبدا غير ما أجبت به وإن من قال : كلفت الإحاطة بأن أصيب لزعم أنه لا يصلي إلا أن يحيط بأن يصيب أبدا وإن القرآن ليدل كما وصفت على أنه إنما أمر بالتوجه إلى المسجد الحرام والتوجه هو التأخي والاجتهاد لا الإحاطة فقال : اذكر غير هذا إن كان عندك .