حكم أهل البغي في الأموال وغيرها .
( قال ) رحمه الله تعالى : وإذا الشافعي فأصاب في إقامته أو أخذ صدقات المسلمين فاستوفى ما عليهم أو زاده مع أخذه ما عليهم ما ليس عليهم ثم ظهر أهل العدل عليهم لم يعودوا على من حده إمام أهل البغي بحد ولا على من أخذوا صدقته بصدقة عامة ذلك فإن كانت وجبت عليهم صدقة فأخذوا بعضها استوفى إمام أهل العدل ما بقي منها وحسب لهم ما أخذ أهل البغي منها : قال : وكذلك من مر بهم فأخذوا ذلك منه . قال وإن ظهر أهل البغي على بلد من بلدان المسلمين فأقام إمامهم على أحد حدا لله أو للناس فهم أمناء على صدقاتهم وإن ارتاب بأحد منهم أحلفه فإذا حلف لم تعد عليه الصدقة وكذلك ما أخذوا من خراج الأرض وجزية الرقاب لم يعد على من أخذوه منه لأنهم مسلمون ظاهر حكمهم في الموضع الذي أخذوا ذلك فيه ما عليهم من خراج وجزية رقبة وحق لزم في مال أو غيره . قال : ولو استقضى إمام أهل البغي رجلا كان عليه أن يقوم بما يقوم به القاضي من أخذ الحق لبعض الناس من بعض في الحدود وغيرها إذا جعل ذلك إليه : ولو أراد إمام أهل العدل أخذ الصدقة منهم فادعوا أن إمام أهل البغي أخذها منهم لم يردد من قضاء قاضي أهل البغي إلا ما يرد من قضاء القضاة غيره . ظهر أهل العدل على أهل البغي
وذلك خلاف الكتاب أو السنة أو إجماع الناس أو ما هو في معنى هذا أو عمد الحيف برد شهادة أهل العدل في الحين الذي يردها فيه أو إجازة شهادة غير العدل في الحين الذي يجيزها فيه ولو فالأغلب من هذا خوف أن يكون يرد شهادة أهل العدل بخلاف رأيه ويقبل شهادة من لا عدل له بموافقته ومنهم من هو مخوف أن يكون يستحل بعض أخذ أموال الناس بما أمكنه فأحب إلي أن لا يقبل كتابه وكتابه ليس بحكم نفذ منه فلا يكون للقاضي رده إلا بجور تبين له ولو كانوا مأمونين على ما وصفنا براء من كل خصلة منه وكتب من بلاد نائية يهلك حق المشهود له إن رد كتابه فقبل القاضي كتابه كان لذلك وجه والله تعالى أعلم : وكان كتاب قاضيهم إذا كان كما وصفت في فوت الحق إن رد شبيها بحكمه . كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل بحق ثبت عنده لرجل على آخر من غير أهل البغي
قال ومن شهد من أهل البغي عند قاض من أهل العدل في الحال التي يكون فيها محاربا أو ممن يرى رأيهم في غير محاربة فإن كان يعرف باستحلال بعض ما وصفت من أن يشهد لمن وافقه بالتصديق له على ما لم يعاين ولم يسمع أو باستحلال لمال المشهود عليه أو دمه أو غير ذلك من الوجوه التي يطلب بها الذريعة إلى منفعة المشهود له أو نكاية المشهود عليه استحلالا لم تجز شهادته في شيء وإن قل ومن كان من هذا بريئا منهم ومن غيرهم عدلا جازت شهادته .
قال : ولو وجب على [ ص: 234 ] قاضي أهل العدل الأخذ له به لا يختلف هو وغيره فيما يؤخذ لبعضهم من بعض من الحق في المواريث وغيرها ، وكذلك حق على قاضي أهل البغي أن يأخذ من الباغي لغير الباغي من المسلمين وغيرهم حقه ، ولو امتنع قاضي أهل البغي من أخذ الحق منهم لمن خالفهم كان بذلك عندنا ظالما ولم يكن لقاضي أهل العدل أن يمنع أهل البغي حقوقهم قبل أهل العدل بمنع قاضيهم الحق منهم قال : وكذلك أيضا يأخذ من أهل العدل الحق لأهل الحرب والذمة وإن منع أهل الحرب الحق يقع عليهم وأحق الناس بالصبر للحق وقع لرجل في عسكر أهل البغي على رجل في عسكر أهل العدل حق في دم نفس أو جرح أو مال أهل السنة من أهل دين الله تعالى وليس منع رئيس المشركين حقا قبل من بحضرته لمسلم بالذي يحل لمسلم أن يمنع حربيا مستأمنا حقه لأنه ليس بالذي ظلمه .
فيحبس له مثل ما أخذ منه ولا يمنع رجلا حقا بظلم غيره وبهذا يأخذ . قال : ولو الشافعي فإن كان القاضي عدلا وسمى شهودا شهدوا عنده يعرفهم القاضي المكتوب إليه بنفسه أو يعرفهم أهل العدالة بالعدل وخلاف أهل البغي قبل الكتاب فإن لم يعرفوا فكتابه كما وصفت من كتاب قاضي أهل البغي قال : ظهر أهل البغي على مصر فولوا قضاءه رجلا من أهل معروفا بخلاف رأي أهل البغي فكتب إلى قاض غيره نظر
وإذا فإن كان لكل واحد من الطائفتين إمام فأهل البغي كأهل العدل جماعتهم كجماعتهم وواحدهم مثل واحدهم في كل شيء ليس الخمس قال : فإن غزا أهل البغي المشركين مع أهل العدل والتقوا في بلادهم فاجتمعوا ثم قاتلوا معا جاز الأمان وإن قتل أحد منهم في الإقبال كان له السلب . وإن أمن أحدهم عبدا كان أو حرا أو امرأة منهم أو كان أهل العدل ردءا فسرى أهل البغي فأصابوا غنائم شركت كل واحدة من الطائفتين صاحبتها لا يفترقون في حال إلا أنهم إذا دفعوا الخمس من الغنيمة كان إمام أهل العدل أولى به لأنه لقوم مفترقين في البلدان يؤديه إليهم لأن حكمه جار عليهم دون حكم إمام أهل البغي وأنه لا يستحل حبسه استحلال الباغي . كان أهل البغي في عسكر ردءا لأهل العدل فسرى أهل العدل فأصابوا غنائم
قال : ولو وادع أهل البغي قوما من المشركين لم يكن لأحد من المسلمين غزوهم فإن غزاهم فأصاب لهم شيئا رده عليهم ولو فإن ظهر المسلمون على أهل البغي استخرجوا ذلك من أيديهم وردوه على أهله المشركين قال : ولا يحل شراء أحد من ذلك السبي وإن اشترى فشراؤه مردود قال : ولو غزا أهل البغي قوما قد وادعهم إمام المسلمين فسباهم أهل البغي . استعان أهل البغي بأهل الحرب على قتال أهل العدل
وقد كان أهل العدل وادعوا أهل الحرب فإنه حلال لأهل العدل قتال أهل الحرب وسبيهم وليس كينونتهم مع أهل البغي بأمان إنما يكون لهم الأمان على الكف فأما على قتال أهل العدل فلو كان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا له : وقد قيل : لو أهل الذمة على قتال المسلمين لم يكن هذا نقضا للعهد لأنهم مع طائفة من المسلمين وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى علينا إذا حملتنا طائفة من المسلمين على طائفة من المسلمين أخرى أنها إنما تحملنا على من يحل دمه في الإسلام مثل قطاع الطريق أو قالوا لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلما لم يكن هذا نقضا لعهدهم ويؤخذون بكل ما أصابوا من أهل العدل من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم . استعان أهل البغي بقوم من
( قال ) رحمه الله تعالى ونتقدم إليهم ونجدد عليهم شرطا بأنهم إن درجوا إلى مثل هذا استحل قتلهم وأسأل الله التوفيق قال : فإن الشافعي لم يقتص منه لأنه مسلم محرم الدم وإذا قاتل أتى أحد من أهل البغي تائبا أهل الذمة مع أهل العدل أهل الحرب لم يعطوا سلبا ولا خمسا ولا سهما وإنما يرضخ لهم ولو . رهن أهل البغي نفرا منهم عند أهل العدل ورهنهم أهل العدل رهنا
وقالوا احبسوا رهننا حتى ندفع إليكم رهنكم وتوادعوا على [ ص: 235 ] ذلك إلى مدة جعلوها بينهم فعدا أهل البغي على رهن أهل العدل فقتلوهم لم يكن لأهل العدل أن يقتلوا رهن أهل البغي الذين عندهم ولا أن يحبسوهم إذا أثبتوا أن قد قتل أصحابهم لأن أصحابهم لا يدفعون إليهم أبدا ولا يقتل الرهن بجناية غيرهم وإن كان رهن أهل البغي بلا رهن من أهل العدل ووادعوهم إلى مدة فجاءت تلك المدة وقد غدر البغي لم يكن لهم حبس الرهن بغدر غيرهم . قال : ولو أن كان فيه الدية . وإذا أهل العدل أمنوا رجلا من أهل البغي فقتله رجل جاهل أو قتل الباغي العدلي وهو وارثه لم أر أن يتوارثا والله تعالى أعلم ويرثهما معا ورثتهما غير القاتلين ، وإذا قتل العدلي الباغي عامدا والقاتل وارث المقتول صلى عليهم لأن الصلاة سنة في المسلمين إلا من قتله المشركون في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه . وأما قتل أهل البغي في معركة وغيرها فإنهم يغسلون ويصلى عليهم ويصنع بهم ما يصنع بالموتى ولا يبعث برءوسهم إلى موضع ولا يصلبون ولا يمنعون الدفن ، وإذا أهل البغي إذا قتلوا في المعركة : أحدهما أن يدفنوا بكلومهم ودمائهم والثياب التي قتلوا فيها إن شاءوا لأنهم شهداء ولا يصلى عليهم ويصنع بهم كما يصنع بمن قتله المشركون لأنهم مقتولون في المعركة وشهداء . والقول الثاني : أن يصلى عليهم لأن أصل الحكم في المسلمين الصلاة على الموتى إلا حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تركها فيمن قتله المشركون في المعركة . قتل أهل العدل أهل البغي في المعركة ففيهم قولان
( قال ) رحمه الله تعالى : والصبيان والنساء من أهل البغي إذا قتلوا معهم فهم في الصلاة عليهم مثل الرجال البالغين . قال : الشافعي ولو وأكره للعدلي أن يعمد قتل ذي رحمه من أهل البغي لم أكره ذلك له بل أحبه وذلك { كف عن قتل أبيه أو ذي رحمه أو أخيه من أهل الشرك عن قتل أبيه أبا حذيفة بن عتبة وأبا بكر يوم أحد عن قتل أبيه } ، وإذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كف فحكمهم حكم قطاع الطريق ، وهذا مكتوب في كتاب قطع الطريق . قتلت الجماعة الممتنعة من أهل القبلة غير المتأولة أو أخذت المال
وإذا ارتد قوم عن الإسلام فاجتمعوا وقاتلوا فقتلوا وأخذوا المال فحكمهم حكم أهل الحرب من المشركين ، وإذا تابوا لم يتبعوا بدم ولا مال . فإن قال قائل : لم لا يتبعون ؟ قيل هؤلاء صاروا محاربين حلال الأموال والدماء وما أصاب المحاربون لم يقتص منهم وما أصيب لهم لم يرد عليهم وقد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم هو فلم يضمن عقلا ولا قودا .
( قال ) رحمه الله تعالى : والحد في المكابرة في المصر والصحراء سواء ولعل المحارب في المصر أعظم ذنبا . الشافعي
( قال الربيع ) قول آخر : يقاد منهم إذا ارتدوا وحاربوا فقتلوا من قبل أن الشرك إن لم يزدهم شرا لم يزدهم خيرا بأن يمنع القود منهم . وللشافعي
( قال ) رحمه الله تعالى : ولو أن الشافعي لم أر أن يقاتلهم أهل المدينة معهم ، فإن قالوا نقاتلكم معا وسع أهل المدينة قتالهم دفعا لهم عن أنفسهم وعيالهم وأموالهم وكانوا في معنى من قتل دون نفسه وماله إن شاء الله تعالى . ولو أهل البغي ظهروا على مدينة فأراد قوم غيرهم من أهل البغي قتالهم لم يسع المسلمين الكف عن قتال المشركين حتى يستنقذوا أهل البغي . ولو سبى المشركون أهل البغي وكانت بالمسلمين قوة على قتال المشركين وكل واحد منهم رد لصاحبه شرك كل واحد منهم صاحبه في الغنيمة . غزا المسلمون فمات عاملهم فغزوا معا أو متفرقين
( قال ) رحمه الله تعالى : قال لي قائل : فما تقول فيمن الشافعي قلت له : فله دفعه عنه ، قال فإن لم يكن يدفع عنه إلا بقتال ؟ قلت فيقاتله ، قال وإن أتى القتال على نفسه ؟ قلت : نعم . إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك . قال : وما معنى يقدر على دفعه بغير ذلك ؟ قلت : أن يكون فارسا والعارض له راجل فيمعن على الفرس ، أو يكون متحصنا فيغلق [ ص: 236 ] الحصن الساعة فيمضي عنه . وإن أبى إلا حصره وقتاله قاتله أيضا ، قال : أفليس قد ذكر أراد مال رجل أو دمه أو حرمته ؟ حماد عن يحيى بن سعيد عن أن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عثمان بن عفان } فقلت له حديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس عثمان كما حدث به وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { } كما قال وهذا كلام عربي ومعناه أنه إذا أتى واحدة من ثلاث حل دمه . كما قال : فكان لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث فقدر عليه قتل رجما ولو رجل زنى ثم ترك الزنا وتاب منه أو هرب من الموضع الذي زنى فيه عليه قتل قودا وإذا كفر فتاب زال عنه اسم الكفر وهذان لا يفارقهما اسم الزنا والقتل ولو تابا وهربا فيقتلان بالاسم اللازم لهما ، والكافر بعد إيمانه لو هرب ولم يترك القول بالكفر بعد ما أظهره قتل إلا أنه إذا قتل مسلما عامدا ثم ترك القتل فتاب وهرب حقن دمه وذلك أنه يسقط عنه إذا رجع إلى الإسلام اسم الكفر فلا يقتل وقد عاد مسلما ومتى لزمه اسم الكفر فهو كالزاني والقاتل . تاب من الكفر وعاد إلى الإسلام
( قال ) رحمه الله تعالى : والباغي خارج من أن يقال له حلال الدم مطلقا غير مستثنى فيه وإنما يقال إذا بغى وامتنع أو قاتل مع أهل الامتناع قوتل دفعا عن أن يقتل أو منازعة ليرجع أو يدفع حقا إن منعه فإن أتى لا قتال على نفسه فلا عقل فيه ولا قود فإنا أبحنا قتاله ، ولو الشافعي لا قتال به لم يقتل في شيء من هذه الحالات ولا يقال للباغي وحاله هكذا حلال الدم ولو حل دمه ما حقن بالتولية والإسار والجرح وعزله القتال ، ولا يحقن دم الكافر حتى يسلم وحاله ما وصفت قبله من حال من أراد دم رجل أو ماله . ولى عن القتال أو اعتزل أو جرح أو أسر أو كان مريضا