( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال . ( قال ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { الشافعي وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .
( قال ) رحمه الله تعالى فذكر الله عز وجل اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان الجماعتان كل واحدة تمتنع أشد الامتناع أو [ ص: 227 ] أضعف إذا لزمها اسم الامتناع وسماهم الله تعالى المؤمنين وأمر بالإصلاح بينهم فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح وبذلك قلت لا يبيت أهل البغي قبل دعائهم لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله عز وجل قبل القتال وأمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية وهي مسماة باسم الإيمان حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها لأن الله عز وجل إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء . الشافعي
( قال ) والفيء الرجعة عن القتال بالهزيمة أو التوبة وغيرها وأي حال ترك بها القتال فقد فاء والفيء بالرجوع عن القتال الرجوع عن معصية الله تعالى ذكره إلى طاعته في الكف عما حرم الله عز وجل قال وقال الشافعي أبو ذؤيب - يعير نفرا من قومه انهزموا عن رجل من أهله في وقعة فقتل :
لا ينسأ الله منا معشرا شهدوا يوم الأميلح لا غابوا ولا جرحوا عقوا بسهم فلم يشعر به أحد
ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح
( قال ) رحمه الله تعالى وأمر الله تعالى إن فاءوا أن يصلح بينهما بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال وإنما ذكر الله تعالى الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم فأشبه هذا والله تعالى أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم قال وقد يحتمل قول الله عز وجل { الشافعي فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل } أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطي بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عز وجل { بالعدل } أخذ الحق لبعض الناس من بعض .
( قال ) وإنما ذهبنا إلى أن القود ساقط والآية تحتمل المعنيين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا الشافعي مطرف بن مازن عن عن معمر بن راشد الزهري قال أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيها دماء وأموال فلم يقتص فيها من دم ولا مال ولا قرح أصيب بوجه التأويل إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه ( قال ) وهذا كما قال الشافعي الزهري عندنا قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص أحد من أحد ولا غرم له مالا أتلفه ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به .
( قال ) رحمه الله تعالى : أخبرنا الشافعي عن سفيان بن عيينة الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل } . من قتل دون ماله فهو شهيد
( قال ) رحمه الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن للمرء أن يمنع ماله وإذا منعه بالقتال دونه فهو إحلال للقتال والقتال سبب الإتلاف لمن يقاتل في النفس وما دونها قال ولا يحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم { الشافعي } إلا أن يقاتل دونه ولو ذهب رجل إلى أن يحمل هذا القول على أن يقتل ويؤخذ ماله كان اللفظ في الحديث من قتل وأخذ ماله أو قتل ليؤخذ ماله ولا يقال له ، قتل دون ماله ومن قتل بلا أن يقاتل فلا يشك أحد أنه شهيد . من قتل دون ماله فهو شهيد
( قال ) الشافعي ، منهم قوم أغروا بعد الإسلام مثل وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات فإن قال قائل ما دل على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة ؟ ( قال ) رحمه الله تعالى : فهو لسان عربي فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر والارتداد يمنع الحق قال ومن رجع عن شيء جاز أن يقال ارتد عن كذا وقول الشافعي عمر لأبي بكر أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } في قول أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا [ ص: 228 ] إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه معرفة منهما معا بأن ممن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان ولولا ذلك ما شك أبي بكر في قتالهم ولقال عمر قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبو بكر أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم لأبي بكر بعد الإسار فقال شاعرهم :
ألا أصبحنا قبل نائرة الفجر لعل منايانا قريب وما ندري
أطعنا رسول الله ما كان وسطنا فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر
فإن الذي يسألكمو فمنعتم لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر
سنمنعهم ما كان فينا بقية كرام على العزاء في ساعة العسر
( قال ) وقول الشافعي لا تفرقوا بين ما جمع الله يعني فيما أرى والله تعالى أعلم أنه مجاهدهم على الصلاة وأن الزكاة مثلها ولعل مذهبه فيه أن الله عز وجل يقول { أبي بكر وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق والصلاة والزكاة وأنه متى منع فرضا قد لزمه لم يترك ومنعه حتى يؤديه أو يقتل .
( قال ) فسار إليهم الشافعي بنفسه حتى لقي أخا أبو بكر بني بدر الفزاري فقاتله معه وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمضى عمر أبو بكر في قتال من ارتد ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله عز وجل عليه فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله وإن أتى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كل حق لرجل على رجل منعه قال فإذا امتنع رجل من تأدية حق وجب عليه والسلطان يقدر على أخذه منه أخذه ولم يقتله وذلك أن يقتل فيقتله أو يسرق فيقطعه أو يمنع أداء دين فيباع فيه ماله أو زكاة فتؤخذ منه فإن امتنع دون هذا أو شيء منه بجماعة وكان إذا قيل له أد هذا قال لا أؤديه ولا أبدؤكم بقتال إلا أن تقاتلوني قوتل عليه لأن هذا إنما يقاتل على ما منع من حق لزمه وهكذا من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فقاتلهم خالد بن الوليد بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبو بكر
( قال ) ومانع الصدقة ممتنع بحق ناصب دونه فإذا لم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتاله فالباغي يقاتل الإمام العادل في مثل هذا المعنى في أنه لا يعطي الإمام العادل حقا إذا وجب عليه ويمتنع من حكمه ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل ويقاتله فيحل قتاله بإرادته قتاله الإمام قال وقد الشافعي وقتلوا ثم قهروا فلم يقد منهم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا هذين متأول أما أهل الامتناع فقالوا قد فرض الله علينا أن نؤديها إلى رسوله كأنهم ذهبوا إلى قول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم { قاتل أهل الامتناع بالصدقة خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } وقالوا لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أهل البغي فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال ورأوا أن جهاده حق فلم يكن على واحد من الفريقين عند تقضي الحرب قصاص عندنا والله تعالى أعلم . ولو أن رجلا واحدا قتل على التأويل أو جماعة غير ممتنعين ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون أو لم تكن كان عليهم القصاص في القتل والجراح وغير ذلك كما يكون على غير المتأولين فقال لي قائل فلم قلت في الطائفة الممتنعة الغاصبة المتأولة تقتل وتصيب المال أزيل عنها القصاص وغرم المال إذا تلف ولو أن فقلت له وجدت الله تبارك وتعالى يقول { رجلا تأول [ ص: 229 ] فقتل أو أتلف مالا اقتصصت منه وأغرمته المال ؟ ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } { } وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحل دم مسلم أو قتل نفس بغير نفس } ووجدت الله تعالى قال { من اعتبط مسلما بقتل فهو قود يده وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } فذكر الله عز وجل قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله عز وجل في القصاص وأزلناه في المتأولين الممتغين ورأينا أن المعنى بالقصاص من المسلمين هو من يكن ممتنعا متأولا فأمضينا الحكمين على ما أمضيا عليه وقلت له : كرم الله تعالى وجهه ولي علي بن أبي طالب فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله قتال المتأولين ابن ملجم متأولا فأمر بحبسه وقال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى له القتل وقتله رضي الله تعالى عنهما وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم أحدا أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل إذ لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها ولم يقد الحسن بن علي علي قبله ولي من قتلته الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا ولا على الكفر . وأبو بكر
( قال ) والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال وليس في ذلك إباحة أموالهم ولا شيء منها ، وأما قطاع الطريق ومن قتل على غير تأويل فسواء جماعة كانوا أو وحدانا يقتلون حدا وبالقصاص بحكم الله عز وجل في القتلة وفي المحاربين . الشافعي