قوله عز وجل:
فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
الضمير في قوله تعالى: جاءتهم لفرعون وقومه، و "مبصرة" معناه: معها الإبصار [ ص: 523 ] والوضوح، وعلى هذا نحو قولهم: نهار صائم، وليل قائم ونائم، وقرأ قتادة : "مبصرة" بفتح الميم والصاد. والحسن
وظاهر قوله تعالى: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا حصول الكفر عنادا، وهي مسألة فيها قولان: هل يجوز أن يقع أم لا؟ فجوزت ذلك فرقة وقالت: يجوز أن يكون الرجل عارفا إلا أنه يجحد عنادا ويموت على معرفته وجحوده، فهو بذلك في حكم الكافر المخلد، قالوا: وهذا حكم إبليس، وحكم حيي بن أخطب وأخيه حسب ما روي عنهما.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وإن عورض هذا المثال فرض إنسان يجوز ذلك فيه. وقالت فرقة: لا يصح لوجهين: أحدهما أن هذا لا يجوز وقوعه من عاقل، والوجه الآخر أن المعرفة تقتضي أن يحل في القلب، وذلك إيمان، وحكم الكفر لا يلحقه إلا بأن يحل في القلب كفر، ولا يصح اجتماع الضدين في محل، قالوا: ويشبه في هذا العارف الجاحد أن يسلب عند الموافاة تلك المعرفة ويحل بدلها الكفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
والذي يظهر عندي في هذه الآية وما جرى مجراها أن هؤلاء الكفرة إذا نظروا في آيات موسى أعطتهم قولهم: "إن هذا ليس تحت قدرة البشر"، وحصل لهم اليقين أنها من عند الله تعالى، فيغلبهم أثناء ذلك الحسد، ويتمسكون بالظنون في أنها سحر وغير ذلك حتى يسلب ذلك اليقين أو يدفع، وحكمه حكم المستلب في وجوب عذابهم.
و "ظلما" معناه: على غير استحقاق للجحد، و "العلو" في الأرض أعظم آفة على طالبه، قال الله تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا . [ ص: 524 ] ثم عجبه تعالى من عاقبة المفسدين قوم فرعون ، وسوء منقلبهم حين كذبوا موسى ، وفي هذا تمثيل لكفار قريش إذ كانوا مفسدين مستعلين. وقرأ ، ابن وثاب ، وطلحة : "وعليا" ، وحكى والأعمش عنهم وعن أبو عمرو الداني أنهم كسروا العين من "عليا". أبان بن تغلب