وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا
المعنى: قل لهم يا محمد هذه المقالة التي لا ظن ينصرف إليك معها، ولا تهتم معها، وبشر وأنذر وتوكل على الحي الذي لا يموت، فهو المتكفل بنصرك في كل أمرك.
ثم وصف تعالى نفسه بالصفة التي تقتضي التوكل في قوله: الحي الذي لا يموت ; [ ص: 450 ] إذ هذا المعنى يختص بالله تبارك وتعالى دون كل ما في الدنيا مما يقع عليه اسم حي. وقوله تعالى: وسبح بحمده أي: قل سبحان الله وبحمده، أي: تنزيهه واجب، وبحمده أقول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ، فهذا معنى: من قال في كل يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وسبح بحمده ، وهي إحدى الكلمتين الخفيفتين على اللسان، الثقيلتين في الميزان . وقوله تعالى: وكفى توعد، وإزالة كل عن كاهل محمد صلى الله عليه وسلم في همه بهم.
وقوله تعالى: الذي خلق السماوات والأرض مع جمعه " السماوات " ، فقيل: سائغ من حيث عادل لفظ "الأرض" لفظ "السماوات"، ومنه قول عمير بن شييم :
ألم يحزنك أن حبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعا
من حيث عادل حبل حبالا، ومنه قول الآخر:
إن المنية والحتوف كلاهما يوفي المخارم يرقبان سوادي
[ ص: 451 ] وقوله تعالى: في ستة أيام ، اختلفت الرواية في اليوم الذي ابتدأ الله تعالى فيه الخلق، فأكثر الروايات على يوم الأحد، وفي وفي كتاب الدلائل: يوم السبت. ويتبين بكون ذلك في ستة أيام وضع الأناة والتمهل في الأمور; لأن قدرته تقضي أنه يخلقها في طرفة عين لو شاء، لا إله إلا هو، وقد تقدم القول في الاستواء. مسلم
وقوله: "الرحمن" يحتمل أن يكون رفعه بإضمار مبتدإ، أي: هو الرحمن، ويحتمل أن يكون بدلا من الضمير في قوله: "استوى"، وقرأ زيد بن علي بن الحسين : "الرحمن" بالخفض.
وقوله تعالى: فاسأل به خبيرا يحتمل معنيين: أحدهما: فاسأل عنه، و "خبيرا" -على هذا- منصوب بوقوع السؤال عليه، والمعنى: اسأل جبريل والعلماء وأهل الكتب المنزلة. والثاني أن يكون المعنى كما تقول: لو لقيت فلانا لقيت به البحر كرما، أي: لقيت منه، والمعنى: فاسأل الله عن كل أمر، و "خبيرا" -على هذا- منصوب إما بوقوع السؤال، وإما على الحال المؤكدة، كما قال تعالى: وهو الحق مصدقا ، وليست هذه بحال منتقلة; إذ الصفة العلية لا تتغير.
ولما ذكر "الرحمن" في هذه الآية كانت قريش لا تعرف هذا في أسماء الله تبارك وتعالى، وكان مسيلمة كذاب اليمامة تسمى بالرحمن، فتغالطت قريش بذلك، وقالت: إن محمدا يأمر بعبادة رحمن اليمامة، فنزل قوله تعالى: وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن الآية. وقوله: وما الرحمن ؟ استفهام عن مجهول عندهم، فـ "ما" على بابها المشهور. وقرأ جمهور القراء: "تأمرنا" بالتاء، أي أنت يا محمد . وقرأ ، حمزة ، والكسائي والأسود بن يزيد ، : "يأمرنا" بالياء من تحت، إما على إرادة [ ص: 452 ] وابن مسعود محمد صلى الله عليه وسلم، والكناية عنه بالغيبة، وإما على إرادة رحمان اليمامة، وقوله تعالى: وزادهم أي: أضلهم هذا اللفظ ضلالا يختص به، حاشى ما تقدم منهم.