قوله عز وجل:
ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون
هذا إخبار من الله -عز وجل- عن استكبارهم وطغيانهم بعد ما نالهم من الجوع، هذا قول روي عن -رضي الله عنهما- ابن عباس أن "العذاب" هو الجوع والجدب المشهور نزوله بهم حتى أكلوا الجلود وما جرى مجراها، وأن "الباب" المتوعد يوم [ ص: 314 ] وابن جريج بدر ، وهذا القول يرده أن الجدب الذي نالهم إنما كان بعد وقعة بدر ، إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ألست تزعم يا أبو سفيان محمد ، أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال: بلى، قال: فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، وقد أكلنا العلهز، فنزلت الآية . و"استكانوا" معناه: انخفضوا وتواضعوا، ويحتمل أن يكون من السكون، ويلزمه أن يكون "استكنوا"، ووجهه أن فتحة الكاف مطلت فتولدت الألف، ويعطي التصريف أنه من "كان"، وأن وزنه (استفعل)، وعلى الأول وزنه (افتعل)، وكونه من "كان" أبين، والمعنى: فما طلبوا أن يكونوا لربهم أهل طاعة، وعبيد خير. وروي عن وروي أنهم لما بلغهم الجهد جاء -رحمه الله- أنه قال: إذا أصاب الناس من قبل الشيطان بلاء فإنما هي نعمة، فلا تستقبلوا نعمة الله بالحمية، ولكن استقبلوها بالاستغفار، واستكينوا وتضرعوا إلى الله . وقرأ هذه الآية الحسن ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون .
و"العذاب الشديد" إما يوم بدر بالسيوف كما قال بعضهم، وإما توعد بعذاب غير معين، وهو الصواب لما ذكرناه من تقدم بدر للمجاعة، وروي عن أن العذاب والباب الشديد هو كله مجاعة مجاهد قريش .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا حسن، كان "الأخذ" كان في صدر الأمر، ثم فتح الباب عند تناهيه حيث أبلسوا وجاء . أبو سفيان
و"الملبس": الذي قد نزل به شر ويئس من زواله ونسخه بخير.