الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ولها قولان اختصرت عليهما ) ش أي وإن دهن رجله ، أو كفه بغير مطيب لعلة ففي وجوب الفدية قولان اختصرت المدونة عليهما هذا معنى كلامه ، وله نحوه في المناسك قال فإن دهن يديه ، أو رجليه للشقوق فلا شيء عليه ، وإن دهنهما لغير علة ، أو دهن ذراعيه ، أو ساقيه ، أو ما هو داخل الجسد ، فالفدية هكذا قال في التهذيب واختصر ابن أبي زمنين المدونة على وجوب الفدية وإن دهن يديه ، أو رجليه لعلة انتهى . ونحوه في التوضيح قال ابن الحاجب فإن دهن يديه ، أو رجليه لعلة [ ص: 157 ] بغير مطيب ، فلا فدية وإلا فالفدية قال في التوضيح : قوله لعلة من شقوق ونحوها ، فلا فدية لعموم الحرج والمراد باليدين باطن الكفين ، وأما ظاهرهما ، فليفتد نقله ابن حبيب عن مالك قوله ، وإلا يدخل فيه ثلاث صور : أن يدهنهما لا لعلة ، أو لعلة وفيه طيب ، أو يدهن غيرهما ، وما ذكره المصنف يعني ابن الحاجب قريب مما في التهذيب قال فيه : وإن دهن قدميه وعقبيه من شقوق ، فلا شيء عليه ، وإن دهنهما لغير علة ، أو دهن ذراعيه ، أو ساقيه يحسنهما لا لعلة افتدى ، واختصرها ابن أبي زمنين على الوجوب مطلقا ، فقال ليحسنهما ، أو من علة افتدى انتهى .

                                                                                                                            فجعل المخالفة بين اختصار البراذعي وابن أبي زمنين في دهن القدمين والرجلين لعلة ، وليس كذلك إنما وقع اختلافهما في مسألة دهن الساقين والذراعين لا في مسألة دهن اليدين والرجلين إذ لفظ الأم في ذلك لا يقبل الاختلاف كما ستراه بخلاف مسألة الساقين والذراعين كما ستقف على ذلك في كلام الأم بل لم أر خلافا في مسألة دهن اليدين والرجلين وناهيك بابن عرفة في نقله للخلاف ولم يحك في ذلك خلافا على أن لفظ المصنف في التوضيح يمكن حمله على الصواب لولا ما قاله هنا ، وفي المناسك ، ونص الأم قال مالك : من دهن كفيه وقدميه من شقوق ، وهو محرم فلا شيء عليه ، وإن دهنهما من غير علة ، أو دهن ذراعيه ، أو ساقيه ليحسنهما فعليه الفدية قال : وقال مالك : من دهن شقوقا في يديه ، أو رجليه بزيت ، أو شحم ، أو ودك فلا شيء عليه ، وإن دهن ذلك بطيب كانت عليه الفدية انتهى . فأنت تراه كيف صرح بأنه إذا دهن كفيه وقدميه للشقوق ، فلا شيء عليه ، وعلى ذلك اختصرهاابن أبي زمنين والبراذعي وابن أبي زيد وابن يونس وصاحب الطراز ولم أر من اختصرها على خلاف ذلك ، وقد تقدم لفظ البراذعي ولفظ ابن يونس نحوه وكذا لفظ ابن أبي زيد وصاحب الطراز إلا أنهما لم يقولا بعد قوله ليحسنهما : أو من علة كما قال البراذعي وابن يونس ولفظ ابن أبي زيد في اختصاره وإن دهن كفيه ، أو قدميه بزيت ، أو شحم ، أو ودك لشقوق ، فلا شيء عليه ، وإن كان لغير علة ، أو دهن يديه ، أو رجليه بذلك لزينة ، أو دهن ذراعيه ، أو ساقيه ليحسنهما افتدى ، ولو دهن شقوقا بقدميه ، أو بعقبيه بما فيه طيب افتدى ، وأما بزيت ، أو شحم خالص ، فلا شيء عليه محمد قال ابن القاسم : ومن دهن شقاقا بقدميه ، أو بعقبيه بزيت ، أو شحم ، فلا شيء عليه ، وإن كان ذلك لغير علة افتدى انتهى .

                                                                                                                            ولفظ اختصار صاحب الطراز قال مالك : ومن دهن كفيه وقدميه من شقوق ، وهو محرم ، فلا شيء عليه ، وإن دهنهما لغير علة ، أو دهن ذراعيه ، أو ساقيه ليحسنهما ، فعليه الفدية وقال مالك : من دهن شقوقا في يديه ، أو رجليه بزيت ، أو شحم ، أو ودك فلا شيء عليه ، وإن دهن ذلك بطيب افتدى ، ونص ما في مختصر ابن أبي زمنين ومن دهن شقوقا في يديه ، أو رجليه بزيت ، أو شحم ، أو ودك ، فلا شيء عليه وإن دهن ذلك بطيب افتدى ، ومن دهن يديه ، أو رجليه بالزيت لزينة افتدى انتهى . من ترجمة المحرم يشم الطيب ، أو يتدهن من كتاب الحج الثاني ، وقال قبله في كتاب الحج الأول قال مالك : من دهن عقبيه وقدميه من شقوق ، وهو محرم ، فلا شيء عليه وإن دهنهما من غير علة افتدى انتهى .

                                                                                                                            فقد صرح ابن أبي زمنين بأنه لا شيء عليه في دهن الكفين والرجلين للشقوق فهؤلاء كلهم اختصروا المدونة على عدم وجوب الفدية بل قال سند في شرحه : إذا دهن شقوقا في يديه ، أو رجليه لا فدية عليه عند الجميع انتهى .

                                                                                                                            وإنما اختلف المختصرون في مسألة دهن الساقين والذراعين ; لأنه قال في الأم : أو دهن ذراعيه ، أو ساقيه لحسنهما ، فعليه الفدية فمفهوم قوله ليحسنهما أنه لو دهنهما لا ليحسنهما لم تكن عليه فدية ، وعلى هذا فهمها البراذعي وابن يونس ، فقالا ليحسنهما لا لعلة قال : التادلي وفي الكتاب إن دهن ذراعيه ، أو ساقيه ليحسنهما لا من علة افتدى قال أبو إبراهيم في طرره : ظاهره [ ص: 158 ] أنه إن كان لعلة لا فدية عليه ، وفي بعض الروايات ، أو لعلة وعليه اختصرها ابن أبي زمنين ، وفي غير المدونة ما يدل على القولين هل لا شيء عليه كالقدمين ، أو عليه ; لأن ذلك فيهما نادر بخلاف القدمين ، وهذا ينبني على النادر هل يراعى أو لا ؟ قال أبو عمران رأيت في المختلطة ، أو لعلة ، فعليه الفدية ، وهو الصحيح ; لأن الساقين والذراعين ليس من شأنهما أن ينكشفا ، فأشبه من دهن سائر جسده انتهى .

                                                                                                                            ونقل أبو الحسن الصغير كلام أبي إبراهيم إلا أن كلامه قد يوهم أن الخلاف في مسألة القدمين ; لأنه قال : قوله وإن دهن قدميه ، أو عقبيه من شقوق فلا شيء عليه المسألة ظاهرة لو كان لعلة لا فدية عليه ، وفي بعض الروايات ، أو من علة وعليها اختصرها ابن أبي زمنين إلى آخر ما تقدم عن التادلي فقد يتوهم في قوله ظاهره أنه راجع لمسألة القدمين واليدين ، وليس كذلك ، وإنما هو راجع لآخر المسألة ; لأن عادته كذلك يذكر أولا كلام المدونة ، ثم يقول المسألة ، أو إلخ ، ثم يتكلم على ما يتعلق بأولها وآخرها ، ويدل على ذلك بقية كلامه ، فلعل المصنف فهم أن الكلام راجع إلى مسألة القدمين فقال : ما تقدم ، وقد علمت ما في ذلك والله الموفق .

                                                                                                                            ( تنبيه ) : قال في الطراز إذا ثبت ذلك ، فإنه يقتصر بالدهن على موضع الشقوق ، ولا يتجاوزه إلا ما لا يحترز من مثله انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية