الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            . ص ( لا إرادة ميتة وكذب في طالق وحرة أو حرام ، وإن بفتوى ) ش هذا هو الوجه الرابع ، وهو أن تخالف النية ظاهر اللفظ وتوافق [ ص: 285 ] الاحتمال المرجوح البعيد من التساوي ، فلا تنفعه نيته لا في القضاء ، ولا في الفتيا مثاله أن يقول : امرأتي طالق أو جاريتي حرة ، وقال : أردت زوجتي التي ماتت أو أمتي التي ماتت ، وقال ابن عبد السلام وذلك لأنه إما أن يريد الإنشاء أو الخبر ، وكل واحد منهما لا يصح إرادته في الميتة ، أما الإنشاء فلأنه يستدعي وجود محل يلزم فيه الطلاق والحرية والتي ماتت لا تصلح أن تكون محلا للطلاق ، ولا للحرية ، وأما الإخبار فلأنه إخبار بما لا يفيد فوجب صرفه لمن هي تحته الآن أو لمن هي في ملكه الآن ، انتهى بالمعنى . وكذلك لا يصدق في إرادة الكذب فيما إذا قال لزوجته : أنت حرام ، وقال أردت الكذب قال ابن عبد السلام ; لأن لفظه ظاهر في الإنشاء بين الظهور ، ولا يحتمل الخبر إلا على بعد ، وإن كانت صيغة الخبر والإنشاء في هذا سواء ; لأن المتبادر في الزوجة إنما هو الإنشاء لما كان الصدق والكذب من عوارض الخبر وجب أن لا يقبل منه أنه أراد الكذب ويحمل على الإنشاء ، فقول المصنف في طالق وحرة راجع إلى مسألة الميتة وقوله : أو حرام راجع إلى مسألة دعوى الكذب ، وما قاله في هذا الوجه نحوه في المدونة قال فيها في كتاب التخيير والتمليك ، ولو حلف للسلطان طائعا بطلاق امرأته في أمر كذب ، فقال : نويت امرأتي الميتة ، فلا ينوي في قضاء ولا فتيا ; لأنه قال : امرأتي وتطلق امرأته ، وفيه أيضا ، وإن قال : أنت حرام ، ثم قال : لم أرد بذلك الطلاق وإنما أردت الكذب فالتحريم يلزمه ، ولا ينوي ، وفي كتاب العتق منها ، ومن قال لعبده أنت حر ، أو امرأته : أنت طالق ، وقال نويت بذلك الكذب لزمه العتق والطلاق ولا ينوي قال ابن القاسم وقد سئل مالك عما يشبه هذا فلم يجعل له نية فانظر أول سماع عيسى من الأيمان بالطلاق في مسألة قوله : أنت حرام فإن فيه ما يشبهها ، وذكر أنه ينوي فيها فتأمله ، وما ذكرته في حل كلام المصنف وحمل قوله : نافت على ما تقدم هو الذي يظهر من عبارته في هذا المحل ، وضعفه ابن غازي وقال : لو لم يكن في هذا من التكلف إلا استعمال المنافاة التي هي المضادة في مثل هذا المعنى لكان كافيا في قبحه وحمل الكلام على وجه آخر .

                                                                                                                            ( قلت ) أما استعمال المنافاة في هذا المعنى ، فلا قبح فيه كما تقدم واستعماله في عبارة القرافي وابن راشد وغيرهما في هذا المحل ، نعم كلام المصنف رحمه الله يقتضي أن هذا التفصيل يأتي في المقيدة ولم أر من ذكره فيها ، بل تقدم أنه لا يشترط في المقيدة ، وحينئذ فلا يتأتى فيها هذا التفصيل ، بل يقال : هو عائد على المخصصة والله أعلم ، وما حملنا عليه كلام المصنف هو أوضح مما حمله عليه ابن غازي وبقي هنا احتمال آخر ولعل المصنف رحمه الله أراده ; لأنه ظاهر كلامه في التوضيح ، وهو أن يكون قوله : إن نافت عائدا إلى قوله : خصصت كما تقدم ، وقوله : ساوت راجع إلى قوله : وقيدت . قال في التوضيح وتتصور المساواة في تقييد [ ص: 286 ] المطلق وتعيين أحد محامل المشترك ابن راشد مثال الأول أن يقول : أحد عبيدي حر ويقول : أردت فلانا . ومثال الثاني أن يقول : عائشة طالق وله زوجتان اسم كل منهما عائشة ، انتهى . وليس منه أي من المساواة ما إذا قال : حكمة طالق وله زوجة وأمة اسم كل منهما حكمة ; لأن هذا مما خالف فيه اللفظ ظاهر النية ، فلا يقبل منه في القضاء ، وإن قامت عليه بينة أو أقر ، كذا قال ابن يونس وتقدم بيانه ، وجعله الشيخ بهرام في شروحه الثلاثة ، وفي شامله من فروع المساواة بهذا المعنى الثاني ، وقال : إنها مقبولة في القضاء والفتيا وليس كذلك ، بل إنما تقبل نيته في الفتيا لا في القضاء كما قاله ابن يونس عن ابن المواز ونقله عنه ابن عرفة والله أعلم .

                                                                                                                            ولنرجع إلى بقية كلام المصنف فظهر معنى قول المصنف وخصصت نية الحالف وقيدت إن نافت وساوت أي ، فإذا كانت مخصصة ومقيدة قبلت في القضاء والفتيا وهذا مفهوم من إطلاقه كما تقدم ، وأتى بقوله : ككونها معه ليفيد أن التخصيص إنما هو إذا تساوى الاحتمالان كما نبه بقوله : لا إرادة ميتة على الاحتمال المرجوح البعيد جدا ، وبقية الكلام على ما تقدم تقريره قال في التوضيح فهذه المسألة على ثلاثة أقسام منها ما يقبل في الفتيا دون القضاء ، وهو ما خالفت النية فيها ظاهر اللفظ ، ومنها ما يقبل في الفتيا والقضاء وهو ما إذا تساويا ، ومنها ما لا يقبل في الفتيا ولا في القضاء ، وهو ما إذا قال : امرأتي طالق وأمتي حرة ويريد الميتة ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية