وذكر عن { عبد الله بن عمر } ، وهو يومئذ يساوي عشرة دراهم ، وفيه دليل على أن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقطع اليد إلا في ثمن المجن ، وهو قول فقهاء الأمصار ، وأصحاب الظواهر يقولون لا يعتبر النصاب فيه ، وقد نقل ذلك عن النصاب في المسروق معتبر لإيجاب القطع على السارق رحمه الله تعالى واستدلوا بالآية ، فإن الله عز وجل قال { الحسن البصري والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } يعني بالسرقة ; لأن السارق اسم مشتق من فعل ، والفعل الذي اشتق منه الاسم يكون علة للحكم ، ولكن السرقة لا تتحقق إلا بصفة المالية والمملوكية والحرز ، فإن أخذ المال المباح يسمى اصطيادا أو احتطابا لا سرقة ، وكذلك ما ليس بمحرز محفوظ فأخذه لا يكون سرقة لانعدام مسارقة عين الحافظ فشرطنا ما يقتضيه اسم السرقة وليس في اسم السرقة ما يدل على النصاب فالسرقة تتحقق في القليل والكثير فاشتراط النصاب يكون زيادة على النص ، وذلك يعدل النسخ ، وفي الحديث { } والبيضة قد لا تساوي أكثر من فلس . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده
ولا يجوز أن يقال : المراد بيضة الحديد وحبال السفن واللؤلؤ ; لأن المقصود بيان حقارة السارق ، وفي حمله على ما قلتم تفويت هذا المقصود ، ولكنا نقول : لما كان في اسم السرقة ما ينبئ عن صفة الإحراز صار كون المال محرزا شرطا بالنص ، وشرائط العقوبة يراعى وجودها بصفة الكمال لما في النقصان من شبهة العدم ، والإحراز إنما يتم في المال الخطير دون الحقير فالقليل لا يقصد الإنسان إحرازه عادة وإليه أشارت رضي الله عنها في قولها { عائشة } فصار ما يتم به الإحراز ، وهو كون المال خطيرا ثابتا بالنص والمراد من الحديث بيضة [ ص: 137 ] الحديد إلا أن صاحب الشرع ، وإن ذكره لإظهار حقارة السارق ، فقد أضمر في كلامه هذا المعنى ليحصل المقصود ويكون كلامه حقا على ما روي { كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه أنه كان يمازح ولا يقول إلا حقا } ، وقيل : إن هذا كان في الابتداء لزيادة التغليظ والتشديد ثم انتسخ بالآثار المشهورة باعتبار النصاب في المسروق