( 7040 ) مسألة : قال : لا يختلف المذهب أنه لا يستحق بالقسامة أكثر من قتل واحد . وبهذا قال وليس للأولياء أن يقسموا على أكثر من واحد الزهري ، ، وبعض أصحاب ومالك . وقال بعضهم : يستحق بها قتل الجماعة ; لأنها بينة موجبة للقود ، فاستوى فيها الواحد والجماعة ، كالبينة . وهذا نحو قول الشافعي . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أبي ثور } . فخص بها الواحد ; ولأنها بينة ضعيفة ، خولف بها الأصل في قتل الواحد ، فيقتصر عليه ، ويبقى على الأصل فيما عداه . يقسم خمسون منكم على رجل منهم ، فيدفع إليكم برمته
وبيان مخالفة الأصل بها ، أنها تثبت باللوث ، واللوث شبهة مغلبة على الظن صدق المدعي ، والقود يسقط بالشبهات ، فكيف يثبت بها ، ولأن الأيمان في سائر الدعاوى تثبت ابتداء في جانب المدعى عليه ، وهذا بخلافه . وبيان ضعفها ، أنها تثبت بقول المدعي ويمينه ، مع التهمة في حقه ، والشك في صدقه ، وقيام العداوة المانعة من صحة الشهادة عليه في إثبات حق لغيره ، فلأن يمنع من قبول قوله وحده في إثبات حقه لنفسه أولى وأحرى . وفارق البينة ، فإنها قويت بالعدد ، وعدالة الشهود ، وانتفاء التهمة [ ص: 398 ] في حقهم من الجهتين ، في كونهم لا يثبتون لأنفسهم حقا ولا نفعا ، ولا يدفعون عنها ضرا ، ولا عداوة بينهم وبين المشهود عليه ، ولهذا يثبت بها سائر الحقوق والحدود التي تنتفي بالشبهات .
إذا ثبت هذا ، فلا قسامة فيما لا قود فيه ، في قول ، فيطرد قوله في أن الخرقي . وعند غيره أن القسامة تجري فيما لا قود فيه ، فيجوز أن يقسموا في هذا على جماعة . وهذا قول القسامة لا تشرع إلا في حق واحد ، مالك . فعلى هذا ، إن والشافعي ، حلف على من عليه اللوث خمسين يمينا ، واستحق نصف الدية عليه ، وحلف الآخر يمينا واحدة ، وبرئ ، وإن نكل عن اليمين ، فعليه نصف الدية . ادعى على اثنين ، على أحدهما لوث
وإن ادعى على ثلاثة عليهم لوث ، ولم يحضر إلا واحد منهم ، حلف على الحاضر منهم خمسين يمينا ، واستحق ثلث الدية ، فإذا حضر الثاني : ففيه وجهان ; أحدهما ، يحلف عليه خمسين يمينا أيضا ، ويستحق ثلث الدية ; لأن الحق لا يثبت على أحد الرجلين إلا بما يثبت على الآخر ، كالبينة ، فإنه يحتاج إلى إقامة البينة الكاملة على الثاني : كإقامتها على الأول . والثاني : يحلف عليه خمسة وعشرين يمينا ; لأنهما لو حضرا معا ، لحلف عليهما خمسين يمينا ، حصة هذا منها خمسة وعشرون . وهذا الوجه ضعيف ; فإن اليمين لا تقسم عليهم إذا حضروا ، ولو حلف كل واحد منفرد حصته من الأيمان لم يصح ، ولم يثبت له حق ، وإنما الأيمان عليهم جميعا ، وتتناولهم تناولا واحدا ، ولأنها لو قسمت عليهم بالحصص ، لوجب أن لا يقسم على الأول أكثر من سبع عشرة يمينا ، وكذلك على الثاني ; لأن هذا القدر هو حصته من الأيمان ، فعلى كلا التقديرين ، لا وجه لحلفه خمسة وعشرين يمينا .
وإن قيل : إنما حلف بقدر حصته وحصة الثالث . فينبغي أن يحلف أربعة وثلاثين . وإذا قدم الثالث : ففيه الوجهان ; أصحهما ، يحلف عليه خمسين يمينا ، ويستحق ثلث الدية . والآخر ، يحلف سبعة عشر يمينا . وإن حضروا جميعا ، حلف عليهم خمسين يمينا ، واستحق الدية عليهم أثلاثا ، وهذا التفريع يدل على اشتراط حضور المدعى عليه وقت الأيمان ; وذلك لأنها أقيمت مقام البينة ، فاشترط حضور من أقيمت عليه ، كالبينة . وكذلك إن ردت الأيمان على المدعى عليهم ، اشترط حضور المدعين وقت حلف المدعى عليهم ; لأن الأيمان له عليهم ، فيعتبر رضاه بها وحضوره ، إلا أن يوكل وكيلا ، فيقوم حضوره مقام موكله .