الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وإن غلط ) البائع مرابحة على نفسه فأخبر ( بنقص ) عما اشترى به ( وصدق ) بالبناء للمفعول أي صدقه المشتري في غلطه ( أو أثبت ) ذلك بالبينة ( رد ) المشتري السلعة أي له ذلك وأخذ ثمنه ( أو دفع ما تبين ) أنه ثمن صحيح ( وربحه ) إن كانت السلعة قائمة ( فإن فاتت ) بنماء أو نقص لا بحوالة سوق ( خير مشتريه ) أيضا ( بين ) دفع الثمن ( الصحيح وربحه و ) دفع ( قيمته ) في المقوم ومثله في المثلي ( يوم بيعه ) لأن العقد صحيح لا يوم قبضه ( ما لم تنقص ) قيمته ( عن الغلط وربحه ) فلا ينقص عنهما .

ولما جرى في كلامه ذكر الكذب والغش شرع في بيان حكمهما مع قيام السلعة وفوتها بقوله ( وإن كذب ) البائع أي زاد في إخباره كأن يخبر أنه اشتراها بخمسين وقد كان اشترى بأربعين [ ص: 169 ] وسواء كان عمدا أو خطأ ( لزم ) البيع ( المشتري إن حطه ) أي حط البائع الزائد المكذوب به ( وربحه ) فإن لم يحطه لم يلزم المشتري وخير بين التماسك والرد ( بخلاف الغش ) فلا يلزمه ويثبت له الخيار بين التماسك والرد ابن عرفة الغش أن يوهم وجود مفقود مقصود وجوده في المبيع أو يكتم فقد موجود مقصود فقده منه انتهى كأن يرقم على السلعة أكثر من ثمنها ويبيع بالثمن الأصلي ليوهم المشتري الغلط على نفسه أو ينفخ اللحم لإيهام أنه سمين وجعل المداد في يد العبد أو ثوبه لإيهام أنه كاتب وكأن يكتم طول إقامتها عنده ثم يبيع مرابحة من غير بيان طول الإقالة فقد كتم بيان موجود مقصود فقده هذا كله مع قيام السلعة ( وإن فاتت ) ولو بحوالة سوق ( ففي الغش ) يلزم المشتري ( أقل الثمن ) الذي بيعت به ( والقيمة ) يوم قبضها ولا يضرب ربح عليها ( وفي الكذب خير ) المشتري ( بين ) دفع الثمن ( الصحيح وربحه أو قيمتها ما لم تزد على الكذب وربحه ) فإن زادت خير بين دفع الصحيح وربحه أو الكذب وربحه فكلام التتائي من أن التخيير للمشتري هو الصواب

التالي السابق


( قوله أو أثبت ذلك بالبينة ) أي أو لم يصدقه المشتري ولكن أثبت البائع ذلك ( قوله أي له ذلك ) أي للمشتري ردها وأخذ ثمنه وله أن يمضي البيع ويدفع ما تبين أنه ثمن صحيح وربحه على حساب ما أربح للثمن الذي غلط فيه ، وإنما كان الخيار للمشتري لأن خيرته تنفي ضرر البائع له حيث يدفع له الصحيح وربحه مع أن البائع عنده نوع تفريط حيث لم يثبت في أمره ( قوله لا بحوالة سوق ) أي لأن حوالة السوق وإن أفاتت السلعة في الغش والكذب لا تفيتها في الغلط ( قوله أيضا ) أي كما ثبت له الخيار في حال قيام السلعة ( قوله فلا ينقص عنهما ) أي عن الغلط وربحه بحيث يدفع القيمة لأنه قد رضي بدفع الغلط وربحه ومعلوم أن الغلط وربحه أقل من الصحيح وربحه والعاقل إذا خير بين دفع أحد أمرين إنما يختار دفع أقلهما وحينئذ فيتعين دفعه للغلط وربحه حيث نقصت القيمة عنهما ( قوله أي زاد في إخباره ) أي على ما هو ثمنه في الواقع وقوله كأن يخبر إلخ أي أو يترك بيان تجاوز الزائف أو الركوب أو اللبس أو هبة اعتيدت أو جز الصوف التام أو الثمرة المؤبرة فكل هذا داخل في تعريف الكذب المذكور ( قوله كأن يخبر أنه اشتراها بخمسين ) أي وباعها مرابحة [ ص: 169 ] بخمسة وخمسين ( قوله وسواء كان عمدا ) أي سواء كان إخباره بالزيادة عمدا أي على جهة العمد أو السهو ( قوله أي حط البائع الزائد المكذوب به وربحه ) هو في المثال المذكور أحد عشر ( قوله بين التماسك ) أي بجميع ما دفع من الثمن وهو الخمسة والخمسون وقوله والرد أي ويأخذ ثمنه من البائع ( قوله بخلاف الغش فلا يلزمه ) أي فلا يلزم المشتري البيع وإن حط عنه البائع ما غش به كما إذا اشتراها بثمانية مثلا ويرقم عليها عشرة ثم يبيعها مرابحة على الثمانية بعشرة ليوهم المشتري أنه غلط على نفسه فهو غش فالمشتري مخير في حالة الغش إذا كانت السلعة قائمة بين أن يتماسك بجميع الثمن الذي نقده وهو الثمانية وربحها أو يردها على البائع ويرجع بثمنه ولو حط البائع ثمن ما غش به وهو الدرهمان وقد علم من هذا أن الغش موافق للعيب في حال القيام ومخالف له في حال الفوات وأما الكذب فهو مخالف للعيب في الحالين ( قوله أن يوهم وجود مفقود مقصود وجوده في المبيع ) مثاله أن تبيع سلعة ورثتها وتوهم أنك اشتريتها فقد أوهمت وجود مفقود وهو شراؤها وشراؤها في بيعها مرابحة مقصود للمشتري ومثال صورة الكتم أن يشتري سلعة وتطول إقامتها عنده ثم يبيعها مرابحة ولم يبين طول إقامتها عنده فهذا قد كتم وجود موجود مقصود فقده ا هـ شيخنا ( قوله أو يكتم فقد موجود ) هكذا لفظ ابن عرفة وصوابه أو يكتم وجود موجود مقصود فقده لأن المكتوم هو وجود ما يكون المقصود فقده مثل أن يكتم طول إقامته عنده ويظهر جدته قال طفى وزاد ابن عرفة بعد قوله مقصود فقده منه لا تنقص قيمته لهما ا هـ وضمير لهما للمفقود والموجود واحترز به عن العيب وذلك أنهم فرقوا في باب المرابحة بين الغش والعيب فما كان يكره ولا تنقص القيمة لأجله يسمى غشا كطول إقامة السلعة عنده وكونها غير بلدية أو من التركة وما تنقص القيمة لأجله يسمى عيبا كالعيوب المتقدمة والمراد بكون القيمة لا تنقص للغش باعتبار ذات المبيع فقط بقطع النظر عن ذلك بخلاف ذات العيب فإن ذات المبيع ناقصة غالبا فافهم قاله طفي ا هـ بن ( قوله كأن يرقم إلخ ) أي كأن يشتريها بثمانية ويرقم عليها عشرة ويبيعها مرابحة على الثمانية ( قوله وكأن يكتم إلخ ) هذا مثال للشق الثاني من التعريف وجميع ما قبله مثال للشق الأول منه وقوله وكأن يكتم طول إقامتها عنده أي أو يكتم كونها بلدية أو أنها من التركة وإرث البعض ( قوله أقل الثمن والقيمة ) أي الأقل من الثمن والقيمة ( قوله يوم قبضها ) هذه رواية ابن القاسم وروى علي بن زياد يوم بيعها والراجح الأولى وعليها فالفرق بين الغش والكذب حيث اعتبرت القيمة فيهما يوم القبض وبين الغلط حيث اعتبرت القيمة فيه يوم البيع كما مر أن الغش والكذب أشبه بفساد البيع من الغلط والضمان في الفساد بالقبض كما مر ( قوله هو الصواب ) وفي خش وعبق تبعا لبهرام أن الخيار للبائع فيخير بين أخذ الثمن الصحيح وربحه وقيمتها يوم القبض ما لم تزد القيمة على الكذب وربحه وإلا غرم المشتري الكذب وربحه فقط ولا يزاد عليه لأن البائع قد رضي بذلك قال عبق ويدل على أن التخيير في كلام المصنف للبائع قوله ما لم تزد على الكذب وربحه إذ لو كان الخيار للمشتري لم يكن لهذا التقييد معنى إذ له دفع القيمة ولو كانت زائدة على الكذب وربحه لأنه يدفعها باختياره وله دفع الصحيح وربحه الذي هو أقل من القيمة ولأنه لا يختار إلا الأقل وحينئذ فلا فائدة في التقييد في كلام المصنف وقد رد شارحنا ذلك بقوله فإن زادت خير بين الصحيح وربحه والكذب وربحه فالتقييد حينئذ ظاهر ولكن ما ذكره عبق وخش من أن الخيار للبائع هو ما في ابن الحاجب واقتصر عليه ح وكذلك المج




الخدمات العلمية