الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وثانيتهما بقوله ( أو ) ( تعذر قودها لحاضر ) إما لعسر قودها وإما لكونه من ذوي الهيئات فركبها لغير الرد بل لمحله ثم يبعث بها إلى ربها أما ركوبها للرد ، ولو اختيارا فلا يمنع ردا ( فإن ) ( غاب بائعه ) أي بائع المطلع على العيب ( أشهد ) عدلين بعدم الرضا ، ثم رد عليه بعد حضوره إن قربت غيبته ، أو على وكيله الحاضر ( فإن عجز ) عن الرد لبعد غيبته وعدم وكيل ، أو عدم علم محله ( أعلم القاضي ) بعجزه وما ذكره المصنف من قوله أشهد إلخ ضعيف والمعتمد أنهما غير شرط في الرد نعم يستحب الإشهاد فله انتظاره عند بعد غيبته وعدم وكيل حتى يحضر فيرد عليه المبيع إن كان قائما ويرجع بأرشه إن هلك ، وإن لم يشهد ولا أعلم الحاكم وعلله ابن القاسم بثقل الخصومة عند القضاة ( فتلوم ) القاضي أي تربص يسيرا [ ص: 123 ] ( في بعيد الغيبة ) كعشرة في الأمن ويومين في الخوف ( إن رجي قدومه ) ، فإن لم يرج فلا يتلوم له ، وأما قريب الغيبة كيومين مع الأمن فهو في حكم الحاضر فيكتب له ليحضر ، فإن أبى حكم عليه بالرد ( كأن لم يعلم موضعه ) فيتلوم له إن رجي قدومه ( على الأصح ) وما تقدم من التلوم وقع في المدونة في موضع ( وفيها ) في موضع آخر ( أيضا نفي ) أي انتفاء أي عدم ذكر ( التلوم ) يعني أن الموضع الآخر لم يتعرض لذكر التلوم لا أن فيها أنه لا يتلوم له إذ لا يتأتى له حينئذ الوفاق الآتي ( وفي حمله ) أي المحل الذي لم يذكر فيه التلوم ( على الخلاف ) للمحل الذي ذكره ، أو الوفاق بحمل المسكوت فيه على المذكور فيه ، أو يحمل على ما إذا لم يرج قدومه ، أو على ما إذا خيف على العبد الهلاك لو تلوم ويحمل المحل الذي فيه التلوم على ما إذا رجي قدومه ولم يخف على العبد ذلك ( تأويلان ) الراجح الوفاق ( ثم ) بعد مضي زمن التلوم ( قضى ) القاضي بالرد على الغائب ( إن أثبت ) المشتري عند القاضي ( عهدة ) أي أثبت أنه على حقه في الرد بالعيب القديم لاحتمال أنه اشترى على البراءة من عيب لا يعلم به البائع فلا يكون له القيام به وهذا إنما يكون في الرقيق لما علمت من أن البراءة لا تنفع إلا فيه بالشرطين ( مؤرخة ) في إسناد التاريخ للعهدة تجوز وإنما المؤرخ حقيقة زمن البيع لعلم هل العيب قديم ، أو حادث ( و ) أثبت ( صحة الشراء ) خوف دعوى البائع عليه فساده إذا حضر فيكلفه اليمين بالصحة وإنما يلزمه [ ص: 124 ] إثبات هذين الأمرين ( إن لم يحلف عليهما ) أي على العهدة وصحة الشراء ، وأما التاريخ فلا بد من ثبوته بالبينة كملك البائع له لوقت بيعه ولا يكفي الحلف على هذين بخلاف الحلف على عدم اطلاعه عليه بعد البيع وعدم الرضا فلا بد منه ولا تكفي البينة إذ لا يعلم إلا من جهته وظاهر كلامه أن الحلف مقدم على الثبوت فيهما وليس كذلك إذ إثبات العهدة مقدم على الحلف وفي صحة الشراء يخير بين أحد الأمرين أيهما طاع به كفى . .

التالي السابق


( قوله وثانيتهما ) أي وأخرج ثانيتهما بقوله إلخ ( قوله ، أو تعذر قودها ) يعني أنه إذا كان المشتري حاضرا في بلد البائع ، ثم إنه اطلع على عيب قديم في الدابة ، ثم إنه ركبها في حال ذهابه لموضعه ليرسلها لربها فلا يكون ذلك رضا بها حيث كان يتعذر قودها لكونها لا تسير غير مركوبة ، أو لكونه ذا هيئة لا يليق به أن يسوقها ويمشي خلفها ( قوله لحاضر ) اللام بمعنى على وأصل هذا الكلام ، أو حاضر تعذر قودها عليه ( قوله ، ولو اختيارا ) أي ، ولو من غير اضطرار للركوب ( قوله ، فإن غاب بائعه ) أي سواء قربت غيبته ، أو بعدت كما هو ظاهره ( قوله أشهد ) ظاهره أن الإشهاد واجب حيث عبر بالفعل ، وهو ضعيف كما قال الشارح إذ المعتمد أنه مندوب وقوله بعدم الرضا أي ولا يشترط إشهادهما بالرد ( قوله ، ثم رد عليه بعد حضوره ) أي إن لم يكن له وكيل حاضر ، وإلا رد عليه قبل أن يحضر البائع من غيبته وسيأتي قريبا أنه إذا كان قريب الغيبة يرسل له الحاكم إما أن تحضر ، وإلا رددناها عليك فقد اقتصر الشارح في العبارة هنا فقريب الغيبة لا يقضى عليه من أول الأمر فقول الشارح ، ثم رد عليه بعد حضوره أي إن انتظر من غير رفع للقاضي ، أو بعد حضوره بعد إرسال القاضي له وإذا حضر وادعى رضا المشتري كان له تحليفه ولا يكون الإشهاد مانعا من اليمين .

( قوله ، فإن عجز عن الرد ) أي المفهوم من رد المقدر وليس المراد عجز عن الإشهاد ; لأنه لا يتعذر مع وجود القاضي ( قوله والمعتمد أنهما غير شرط إلخ ) في بن أن أصل هذا الاعتراض لابن عرفة على ابن شاس وابن الحاجب إلا أنه إنما يتوجه على الإشهاد ، وأما إعلام القاضي فلا بد منه إن أراد المشتري القيام في غيبة البائع ، والرد عليه ; لأنه لا بد فيه من حكم كما قال المصنف ، وأما إذا أراد انتظاره ليرد عليه إذا حضر فلا يشترط إعلام القاضي فقول المصنف ، فإن عجز أعلم القاضي أي إذا أراد القيام على البائع في غيبته والرد عليه وكلام ابن عرفة محمول على ما إذا انتظره حتى يحضر وحينئذ فلا اعتراض ( قوله إنهما ) أي الإشهاد وإعلام القاضي بعجزه عن الرد ( قوله نعم يستحب الإشهاد ) أي كما قال ابن رشد وحاصل ما في المقام أن المشتري إذا اطلع على عيب ووجد البائع غائبا فيستحب له أن يشهد على عدم الرضا بالمبيع سواء كان قريب الغيبة ، أو بعيدها وبعد الإشهاد المذكور يفصل ، فإن كان قريب الغيبة رد على وكيله إن كان له وكيل حاضر ، فإن لم يكن له وكيل حاضر ، فإن شاء انتظر حضوره فإذا حضر رد عليه ، وإن شاء رفع للقاضي فيرسل له إما أن تحضر ، وإلا رددناها عليك ، فإن لم يشهد بعدم الرضا ورد على وكيله وانتظر حضوره حتى حضر ورد عليه كان له ذلك غايته أنه فاته المستحب ، وإن كان بعيد الغيبة ، فإن كان له وكيل حاضر رده عليه ، وإن لم يكن له وكيل حاضر يرد عليه وعجز عن رده لبعد غيبة البائع ، أو عدم علم محله فإما أن ينتظر قدومه فإذا قدم رد عليه وإما أن يقوم فيعلم القاضي بعجزه فيتلوم له فإذا مضت مدة التلوم حكم برده عليه هذا إذا علم موضعه ورجي قدومه ، وكذا إن لم يعلم موضعه ورجي قدومه عند ابن سهل ، وإن كان لا يرجى قدومه حكم برده من غير تلوم ( قوله فله انتظاره عند بعد غيبته ) أي ، وكذا عند قربها له انتظاره والرد عليه من غير إشهاد بالأولى ( قوله وعدم وكيل ) أي وعند عدم وكيل ( قوله ولا أعلم الحاكم ) أي بعجزه عن الرد ( قوله وعلله ) [ ص: 123 ] أي علل عدم وجوب الإشهاد وعدم وجوب الإعلام بالعجز ( قوله في بعيد الغيبة ) أي المعلوم الموضع بدليل قوله بعده كأن لم يعلم موضعه ( قوله إن رجي قدومه ) أي إن غلب على الظن قدومه ( قوله على الأصح ) أي عند ابن سهل خلافا لابن القطان القائل إنه كقريب الغيبة لا يتلوم له ( قوله وفيها إلخ ) أي إنه في موضع آخر منها لم تذكر التلوم بل قالت ، وإن كان بعيد الغيبة ، أو لم يعلم موضعه حكم عليه بالرد فظاهره أنه لا يتلوم له ( قوله أي انتفاء ) أشار بذلك إلى أنه أطلق المصدر ، وهو النفي وأراد الحاصل به ، وهو الانتفاء وقوله أي عدم ذكره بيان لانتفاء التلوم ( قوله أن فيها ) أي كما هو المتبادر من قوله ، وفيها نفي التلوم إبقاء للمصدر على حاله .

( قوله إذ لا يتأتى له حينئذ الوفاق الآتي ) أي بجميع ، أوجهه فلا ينافي أنه يمكن حمل الموضع الذي ذكر فيه التلوم على ما إذا كان مرجوا قدومه والموضع الذي نفي فيه التلوم على من كان غير مرجو قدومه على أن بن نقل أن فيها التصريح بعد التلوم وحينئذ فالأولى إبقاء المصنف على ظاهره ولا داعي لما ذكره الشارح من التكلف ( قوله على الخلاف ) أي بأن يقال المحل للأول ذكر فيه أن بعيد الغيبة ، ومن لا يعلم موضعه لا يرد الحاكم عليهما إلا بعد التلوم ، والمحل الثاني ذكر فيه أنه يرد عليهما بدون تلوم ( قوله بحمل المسكوت فيه على المذكور فيه ) أي بأن يقال قولها في المحل المسكوت فيه ، وإن كان بعيد الغيبة ، أو لم يعلم موضعه حكم عليه بالرد أي بعد التلوم أخذا من الموضع الأول ( قوله ما إذا خيف على العبد الهلاك ) أي في مدة التلوم ( قوله إن أثبت إلخ ) هذا شرط في قوله ، ثم قضى ، وفي قوله قبله فتلوم في بعيد الغيبة إلخ ; لأن التلوم إنما يكون بعد إثبات تلك الموجبات ، ثم إن ظاهر المصنف أن إثبات العهدة المؤرخة وما بعدها متأخر عن التلوم ; لأن إن الشرطية إذا دخلت على ماض قلبته للاستقبال وليس كذلك وجوابه أن المراد إن كان أثبت عهدة والمعنى يرشد لذلك وكان لتوغلها في المضي لا تقلبها إن للاستقبال ، ثم إن ثبوت العهدة يكون بالبينة المثبتة للأموال كما في عج ( قوله على حقه في الرد ) الأولى أي أثبت أنه اشترى على العهدة أي على الرد بالعيب القديم وليس المراد بالعهدة هنا عهدة الثلاث ، أو السنة ، أو الإسلام ، وهو درك المبيع من الاستحقاق أي ضمانه منه ; لأن اشتراط عهدة الثلاث ، أو السنة لا يوجب الرد بالعيب القديم لجواز أن يكون البائع تبرأ منه براءة تمنع من الرد به والبراءة من عهدة الإسلام لا تنفع فإذا استحق رد ولا يعمل بتبريه منه ويسقط الشرط ويصح البيع وحينئذ فلا يحتاج المشتري إلى إثباتها فتعين أن المراد بالعهدة هنا ما قلناه ، وهو ضمان المبيع من العيب ( قوله وهذا إنما إلخ ) أي إثبات اشترائه على العهدة ( قوله في الرقيق ) أي فيما إذا كان المبيع الذي اطلع فيه المشتري على عيب قديم رقيقا أما لو كان المبيع غيره فلا يحتاج لإثبات ذلك فيه ; لأن البراءة من العيب لا تنفع فيه ( قوله بالشرطين ) هما طول إقامته عنده وعدم علمه بالعيب الذي تبرأ منه ( قوله وإنما المؤرخ حقيقة إلخ ) أي فالأصل الحقيقي مؤرخ زمنها الذي هو يوم البيع وإثبات تاريخ زمنها بأن تقول البينة عند القاضي : تشهد أنه اشتراها في يوم كذا من شهر كذا على العهدة أي الضمان من العيب والرد به على البائع ( قوله ليعلم إلخ ) علة لإثبات التاريخ ( قوله هل العيب ) أي الذي يدعي المشتري قدمه قديم في الواقع كما يدعي المشتري ، أو ليس قديما بل حادث عنده ( قوله خوف دعوى البائع إلخ ) أي ففائدة إثبات صحة الشراء بالبينة ، وإن كان [ ص: 124 ] البيع محمولا على سلامة العقد من الفساد السلامة من اليمين إذا حضر التي كان يستظهر بها عليه والذي في الحاشية أنه إنما احتاج لإثبات صحة الشراء لاحتمال أن يكون فاسدا وحصل مفوت فيمضي بالقيمة يوم القبض ، ولو مختلفا في فساده ; لأن الثمن الذي حصل فيه إنما هو لاعتقاد سلامته من العيب ، وهنا لم يعتقد سلامته للاطلاع على العيب ، والحاصل أن قولهم البيع المختلف في فساده إذا فات يمضي بالثمن محمول على ما إذا كان المبيع سالما ، وإلا مضى بالقيمة .

( قوله إثبات هذين الأمرين ) أي العهدة وصحة الشراء ( قوله إن لم يحلف ) أي المشتري ( قوله على عدم اطلاعه عليه بعد البيع ) لعل الأولى قبل البيع ( قوله وعدم الرضا ) أي بالمبيع حين اطلع على العيب ( قوله إذ لا يعلم إلا من جهته ) أي فالأقسام ثلاثة منها ما لا بد من ثبوته بالبينة ، وهو التاريخ وملك البائع له لوقت البيع ومنها ما لا بد من الحلف فيه ، وهو عدم الاطلاع على العيب قبل البيع ، وعدم الرضا بالمبيع حين الاطلاع على العيب ، ومنها ما يكفي فيه اليمين ، أو الإثبات بالبينة ، وهو العهدة وصحة الشراء . .




الخدمات العلمية