الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) بطل ( بموت راهنه أو فلسه ) ولو بالمعنى الأعم لا بإحاطة الدين فقط ، وكذا يبطل بمرضه أو بجنونه المتصلين بموته ( قبل حوزه ) أي قبضه ( ولو جد فيه ) أي في حوزه فلا يفيده بخلاف الهبة والصدقة فإن الجد في حوزهما يفيد ; لأنهما خرجا عن ملكه بالقول بخلاف الرهن ( و ) بطل ( بإذنه ) أي المرتهن للراهن ( في وطء ) لأمة مرهونة ( أو ) في ( إسكان ) لدار مرهونة ( أو إجارة ) لذات مرهونة ( ولو لم يسكن ) أو يؤاجر أو يطأ [ ص: 242 ] فلو قال ولو لم يفعل كان أحسن ويصير الدين بلا رهن ، ولا يختص به المرتهن عند المانع ( وتولاه ) أي ما ذكره من الإسكان والإجارة مما يمكن فيه الاستنابة ( المرتهن بإذنه ) أي الراهن وهذا جواب عما يقال كيف يتوصل الراهن إلى استيفاء المنافع حيث كان الإذن في الإجارة والإسكان مبطلا مع أن المنافع للراهن ( أو ) بإذنه للراهن ( في بيع ) للرهن ( وسلم ) له الرهن ( وإلا ) يسلمه له ( حلف ) أنه إنما أذن له في بيعه لإحيائه بثمنه أو ليأتي له برهن ثقة بدله لا ليكون دينه بلا رهن ( وبقي الثمن ) حينئذ رهنا للأجل ( إن لم يأت ) الراهن ( برهن كالأول ) في قيمته يوم الرهن لا يوم البيع وفي كونه يغاب عليه أو لا يغاب عليه ( كفوته ) أي الرهن ( بجناية ) عليه من أجنبي عمدا أو خطأ ( وأخذت قيمته ) من الجاني أو قيمة ما نقصه فالمأخوذ يبقى رهنا إن لم يأت الراهن برهن كالأول .

التالي السابق


( قوله ولو بالمعنى الأعم ) أي هذا إذا فلس بالمعنى الأخص بأن حكم الحاكم بخلع ماله للغرماء بعد قيامهم عليه بل ولو كان تفليسه بالمعنى الأعم بأن قام عليه الغرماء ومنعوه من التصرف في المال ( قوله لا بإحاطة إلخ ) أي لا يبطل الرهن بمجرد الإحاطة المذكورة من غير قيام للغرماء عليه ( قوله وكذا يبطل بمرضه إلخ ) أي وحينئذ فالحوز في حالة المرض والجنون المذكورين لا ينفع ( قوله فلا يفيده ) أي على المشهور ومقابله أنه يفيد وهو المردود عليه بلو ( قوله لأنهما خرجا عن ملكه بالقول ) أي فاكتفى في حوزهما بأدنى شيء ( قوله بخلاف الرهن ) أي فإنه لم يخرج عن ملك راهنه فلا بد في حوزه من أمر قوي وهو القبض .

( قوله وبإذنه في وطء إلخ ) اعلم أن الإذن في الوطء وما بعده قيل إنه مبطل للحوز فقط ، وقيل إنه مبطل للرهن وهو ما مشى عليه المصنف وعلى الأول للمرتهن بعد الإذن فيما ذكر وقبل فوات الرهن بعتق أو تدبير أو بيع أو حبس أو قيام الغرماء رد الرهن لحوزه بالقضاء على الراهن وعلى القول الثاني ليس له رده لبطلانه انظر بن ، وقوله وبإذنه في وطء لأمة مرهونة أي سواء كان الراهن المأذون له في الوطء بالغا أو غير بالغ لجولان يده في أمة الرهن وإن كان وطء غير البالغ ليس معتبرا في غير هذا المحل ( قوله أو إسكان ) أي أو أذن المرتهن للراهن في أن يسكن غيره الدار المرهونة وفي الكلام حذف أو مع ما عطفت أي أو سكنى أي وبإذنه له في أن يسكن بنفسه الدار كلها أو بعضها ( قوله أو إجارة ) أي أو أذن المرتهن للراهن في أن يؤاجر الذات المرهونة أعم من أن تكون عقارا أو حيوانا أو عرضا ( قوله ولو لم يسكن ) رد بلو على أشهب القائل إنه لا يبطل الرهن بمجرد الإذن فيما ذكر بل حتى يطأ أو يسكن أو يؤاجر بالفعل ( قوله ولو لم يسكن أو يؤاجر أو يطأ ) أي فالوطء بالفعل لا يشترط فأولى الإحبال وذلك لأن تصرف الراهن في الرهن بإذن المرتهن يبطل الرهن من أصله كما في أبي الحسن وابن ناجي في شرحيهما على المدونة والإذن في التصرف كالتصرف [ ص: 242 ] بالإذن كما في ح وابن الحاجب ( قوله ويصير الدين بلا رهن ) أي وإذا بطل الرهن بمجرد الإذن في واحد مما ذكر فيصير الدين بلا رهن ، هذا وما ذكره الشارح من أن مجرد الإذن فيما ذكر مبطل للرهن وإن لم ينضم إليه فعل هو ما يفيد التوضيح أنه الراجح ونحوه في المدونة في محل وعليه فالمبالغة في قول المصنف ولو لم يسكن في محلها ، رد بها على أشهب القائل إنه لا بد في بطلان الرهن أن ينضم للإذن وطء أو إسكان أو إجارة ، وأما مجرد الإذن في ذلك فلا يبطل الرهن وفي محل آخر من المدونة أنه لا بد أن ينضم للإذن فعل ، وأما مجرد الإذن فلا يبطل الرهن وعلى هذا فالمبالغة في المصنف غير ظاهرة ووفق أبو الحسن بين المحلين بأن ما لا ينقل يكفي فيه الإذن كالإجارة والإسكان وما ينقل كالأمة لا بد أن ينضم للإذن فعل الوطء وعلى هذا التوفيق فالمبالغة في محلها لكن يحتاج لتقييد قوله وبإذن في وطء بقولنا ووطئ الراهن بالفعل ، وقد مشى في المج على هذا التوفيق فتأمله .

( قوله وتولاه المرتهن بإذنه ) أي فإن ترك المرتهن إجارته مع إذن الراهن له ففي ضمانه ما فات وعدمه قولان ، فإن لم يأذن له في ذلك لم يكن له أن يتولاه قولا واحدا ما لم يشترط أن كراءه رهن مع رقبته وإلا كان له كراؤه بغير إذنه وكان هذا قرينة على الإذن ( قوله مما يمكن إلخ ) بيان لمحذوف أي ونحوهما مما يمكن فيه الاستنابة وذلك كالإعارة للرهن إذا كانت مقيدة بأجل أو عمل ينقضي قبل أجل الدين وخرج وطء الأمة المرهونة .

( قوله إلى استيفاء المنافع ) أي مع صحة الرهن ( قوله أو في بيع ) عطف على قوله في وطء أي وبطل الرهن بإذن المرتهن للراهن في بيع الرهن والحال أنه قد سلمه له وباعه ويبقى الدين بلا رهن ولا يقبل قول المرتهن إني لم آذن له في بيعه إلا لإحيائه بثمنه لا ليأخذ ثمنه كما في المدونة ونقل ابن يونس عن بعض الفقهاء قبول قوله فلو أذن له في بيعه وسلمه له ولم يبعه فهل يبطل الرهن أو لا يبطل ويقبل قول المرتهن أنه إنما أذن له لإحيائه قولان على حد سواء ، فإن أذن له في بيعه ولم يسلمه له أي وباعه وهو باق تحت يد المرتهن وقال المرتهن ما أذنت له في بيعه إلا لإحيائه بثمنه لا ليأخذ ثمنه حلف على ذلك ويبقى الثمن رهنا للأجل إن لم يأت الراهن برهن كالأول في قيمته يوم الرهن ( قوله وسلم له الرهن ) أي وأما لو سلمه للمشتري فلا يضر كما في حاشية شيخنا ( قوله وإلا يسلمه له ) أي وباعه الراهن وهو تحت يد المرتهن بأن أخذه من خلفه وباعه ( قوله حلف ) أي فإن نكل بطل الرهن وصار الدين بلا رهن ( قوله لإحيائه بثمنه ) أي خوفا عليه من عفن أو أكل أو سوس أو عثة .

( قوله في قيمته يوم الرهن لا يوم البيع ) أي لاحتمال حوالة الأسواق بزيادة أو نقص وظاهره أنه لا بد من مماثلته للأول في القيمة ولو كان الدين أقل وهو كذلك لأنهما تعاقدا عليه أو لا ( قوله كفوته إلخ ) هذا تشبيه في قوله وبقي الثمن إلا أن يأتي برهن كالأول . ( قوله بجناية عليه ) أي أتلفت كله أو بعضه ( قوله وأخذت قيمته ) الواو للحال واحترز بها عما إذا لم يؤخذ للجناية شيء بأن عفا الراهن عن الجاني فإن الدين يبقى بلا رهن كما في ابن عرفة ومقتضاه أن عفوه يمضي ولو كان معدما فانظره واحترز الشارح بقوله من أجنبي عما لو جنى عليه الراهن فإنه يؤمر بدفع القيمة رهنا وإلا عجل الدين هذا إن كان مليا ، فإن كان معسرا ، فإن أتلفه بالكلية بقي الدين بلا رهن وإن أتلف بعضه بقي الباقي رهنا ( قوله فالمأخوذ يبقى رهنا ) أي ويجب الطبع عليه إن كان مثليا ووضع تحت يد المرتهن كما مر وإلا فلا .




الخدمات العلمية