( حدثنا حدثنا هناد بن السري أبو معاوية عن عن الأعمش إبراهيم عن عبيدة ) بفتح مهملة فكسر موحدة أي : ابن عمر ( السلماني ) بفتح السين ، وسكون اللام ، ويفتح منسوب إلى بني سلمان قبيلة من مراد ( عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن مسعود ) أي : عن عصاة المؤمنين ( خروجا ) منصوب على التمييز ، وفي بعض النسخ المصححة خروجا من النار ( رجل ) قيل اسمه جهينة بصيغة التصغير أو هناد الجهني ( يخرج منها زحفا ) مفعول مطلق بغير لفظه أو حال أي : زاحفا ، والزحف : المشي على الاست مع إشراف الصدر ، وفي رواية حبوا بفتح الحاء ، وسكون الموحدة ، وهو المشي على اليدين ، والرجلين أو الركبتين أو المقعد ، ولا تنافي بين الروايتين لأن أحدهما قد يراد به الآخر أو أنه يزحف تارة ، ويحبوا أخرى ( فيقال له انطلق ) أي : اذهب ( إني لأعرف آخر أهل النار ) أي : الجنة لكي يدخلها أي : فيسرع ليدخلها ( فادخل الجنة قال : فيذهب ليدخل ) فيقال له أتذكر الزمان الذي كنت فيه أي : في الدنيا ، والمعنى أتقيس زمنك هذا الذي أنت فيه الآن بزمنك الذي كنت في الدنيا إن الأمكنة إذا امتلأت بالساكنين لم يكن للاحق مسكن فيها ( فيقول نعم ; فيقال له تمن ) أي : من كل جنس ، ونوع تشتهي من وسع الدار ، وكثرة الأشجار ، والثمار ; فإن لك مع امتلائها مساكن كثيرة ، وأماكن كبيرة ، وجنات تجري من تحتها الأنهار كلها على طريق خرق العادة بقدرة الملك الغفار ( قال : فيتمن ) أي : فيسأل ما يعد محالا ( فيجد الناس قد أخذوا المنازل ) أي : ولا تقس حال الأخرى على الأولى فإن تلك دار ضيق ، ومحنة وهذه دار سعة ، ومنحة ( قال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فيقول ) أي : من غاية الفرح ، والاستبشار ، ونهاية الانبساط وطي بساط الأدب مع الجبار ( أتسخر ) أي : تستهزئ ( بي ) وفي نسخة بالنون بدل الباء الموحدة ، وهما روايتان لكن الأصول المعتمدة ، والنسخ المصححة على الباء الموحدة [ ص: 24 ] وعكس فيقال له ; فإن لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا ابن حجر القضية تبعا لبعض الشراح ، وجعل النون أصلا ثم قال : وفي رواية أتسخر بي ، والأولى أفصح ، وأشهر ، وبها جاء القرآن .
قيل وعندي تسخر بالباء لتضمنه معنى تهزأ قلت أما لغة ففي القاموس سخر منه وبه كفرح هزئ ; فهاتان لغتان فصيحتان ، ولا شك أن الأفصح هو ما ورد به القرآن ، وقد جاء بالأولى منهما حيث قال تعالى فيسخرون منهم سخر الله منهم وقال - عز وجل - وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ولا نعرف في القرآن تعديته بالباء ، ولا بنفسه مطلقا ، ولا في اللغة هذا المعنى نعم جاء سخره كمنعه سخريا بالكسر ويضم، كلفه ما لا يريد وقهره على ما في القاموس ، ولا مرية أنه غير مراد في هذا المقام ، فالقول بكونه أفصح ، وأشهر خطأ رواية ، ودراية والقول بالتضمن مستدرك مستغنى عنه لتحققه لغة ، فرواية النون تحمل على نزع الخافض ، والمعنى أتستهزئ مني ( وأنت الملك ) أي : والحال إنك الملك العظيم الشأن عظيم البرهان وأنا العبد الذليل المستهان وإليك المشتكى ، وأنت المستعان .
والحاصل أنه صدر منه هذا على سبيل الدهش ، والتحير والغرور لما ناله من السرور بكثرة الحور ، والقصور مما كان لم يخطر بباله ، ولم يتصور في آماله من حسن ما له ; فلم يكن حينئذ ضابطا لأقواله ، ولا عالما بما يترتب عليه من جريان حاله بل جرى لسانه بمقتضى عادته في مخاطبة أهل زمانه ، ومحاورة أصحابه وإخوانه . نظيره ما روي عمن قال ممن لم يضبط نفسه حالة غاية الفرح في الدعاء حيث صدر منه سبقاللسان بقوله أنت عبدي ، وأنا ربك مكان أنت ربي ، وأنا عبدك ، وهذا ما عليه الشراح ، وخطر لي أنه يمكن أن يكون المخاطب بهذا المقال واحد من الملائكة على ما يفهم من قوله ; فيقال ( قال ) أي : ( ابن مسعود ) جمع الناجذ ، وهو آخر الأسنان على المشهور ، وقيل هي الأضراس كلها ، وقيل بل هي التي تلي الأنياب ، واستدل هذا القائل بأنه - صلى الله عليه وسلم - بذلك كان فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه فلا يصح وصفه بإبداء أقصى الأسنان فالوجه في وصفه صلى الله عليه وسلم أن يراد المبالغة في الضحك من غير أن يوصف بإبداء نواجذه حقيقة ، وحاصله أن النواجذ بمعنى أقصى السنان لغة لكنه رفض هذا المعنى الحقيقي هنا ، وعدل إلى إرادة المعنى المجازي لقصد المبالغة كقول بعض الناس ضحك فلان حتى بدت نواجذه ، وقصدهم به المبالغة في الضحك إذ ليس في إبداء ما وراء الناب مبالغة ; فإنه يظهر بأول مراتب الضحك . جل ضحكه التبسم
وأغرب ميرك حيث قال : وهذا غاية من التحقيق ، ونهاية وهو من جملة علوم المعاني ، والبيان ، والبديع التي هي زبدة العلوم العربية عمدة كلام علماء التفسير ، والحديث في الآيات القرآنية ، والروايات النورانية التي يظهر بها كمال الإعجاز ، وظهور الإطناب ، والإيجاز ، وبيان الحقيقة والمجاز ، وبلوغ مبلغ البلاغة ، وحصول مفصح الفصاحة المنبئة عن ظهور النبوة ، والرسالة .
وأغرب ميرك حيث قال : وكم ترى ممن ضاق عطنه ، وجفا عن العلم بجوهر الكلام ، واستخراج الأحكام التي تنتحيها العرب لا تساعد اللغة ; فيهدم ما بنيت عليه الأوضاع ، ويخترع من تلقاء نفسه [ ص: 25 ] وضعا مستحدثا لا تعرفه العرب الموثوق بعربيتهم ، ولا العلماء الأثبات الذين تلقوها عنهم ، واحتاطوا ، وتأنقوا في تلقيها ، وتداوينها ; فيضل ، ويضل والله حسيبه ; فإن ذلك أكثر ما يجري منه القرآن الحكيم .
قلت لو حمل ما في القرآن العظيم على ما تداولته العرب فيما بينهم من اليد ، والعين ، والاستواء ، وغيرها لوقوع جميع الناس في فساد الاعتقاد من التجسيم ، والتشبيه ، وإثبات الجهة ، وغير ذلك مما يتنزه عنه رب العباد .
فالمخلص من مثل هذا في الآية ، والحديث أحد الأمرين إما التفويض ، والتسليم كما هو طريق أكثر السلف، أو التأويل اللائق بالمقام دفعا لتوهم فوهم العوام كما سبيل غالب الخلف ، والثاني أضبط وأحكم ، والأول أحوط وأسلم والله سبحانه أعلم .