( حدثنا حدثنا قتيبة بن سعيد أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن علي بن ربيعة قال : شهدت عليا ) أي : حضرته ( رضي الله عنه ) حال كونه ( أتى ) أي : جيء ( بدابة ) وهي في أصل اللغة ما يدب على وجه الأرض ومنه قوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ثم خصها العرف بذوات الأربع ( ليركبها فلما وضع رجله ) أي : أراد وضعها ( في الركاب قال : بسم الله ) قيل كأنه مأخوذ من قول نوح لما أراد أن يركب السفينة قال : بسم الله .
قال ابن حجر : وليس في محله لأن عليا نقل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أنه تأسى به في ذلك ; فكيف مع ذلك يقال كأنه مأخوذ إلخ .
قلت : وفيه بحث لأن الظاهر ; لأن الظاهر أن فعله - صلى الله عليه وسلم - المبني عليه فعل علي كرم الله وجهه مقتبس من قوله تعالى ( وقال اركبوا فيها بسم الله ولا بدع فيه لقوله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده كما أن بقية الأذكار الآتية مأخوذة من قوله تعالى وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه الآية ( فلما استوى ) أي : استقر ( على ظهرها قال الحمد لله ) أي : على نعمة الركوب على المنهج المرغوب ( ثم قال ) أي : تعجبا من القوية من الخيل ، والناقة للإنسان الضعيف البنية ( سبحان الذي سخر ) أي : ذلل ( لنا ) أي : لأجلنا ( هذا ) أي : المركوب ( وما كنا له ) أي : لتسخيره ( مقرنين ) أي : مطيقين لولا تسخيره لنا ( وإنا إلى ربنا ) أي : حكمه ، وأمره أو قضائه ، وقدره أو جزائه ، وأجره ( لمنقلبون ) أي : راجعون قال تسخير الدابة ابن حجر : وناسب ذكره لأن الدابة سبب من أسباب التلف .
وفيه أن المراجعة بعد وقوع المصيبة لا قبله لا سيما وما قبله من المنة التي يجب الحمد عليها ( ثم قال الحمد لله ) أي : شكرا للتسخير ( ثلاثا ) أي : ثلاث مرات ، وفي التكرير إشعار بتعظيم النعمة أو الأول : لحصول النعمة ، والثاني : لدفع النقمة ، والثالث : لعموم المنحة ( والله أكبر ) أي : تعجبا للتسخير ( ثلاثا ) إما تعظيما لهذه الصنعة ، أو الأول : إيماء على الكبرياء ، والعظمة في ذاته ، والثاني : للتكبير والتعظيم في صفاته ، والثالث : إشعار إلى أنه منزه عن الاستواء المكاني ، والاستعلاء [ ص: 26 ] الزماني ( سبحانك ) أي : أسبحك تنزيها مطلقا وتسبيحا محققا إني ظلمت نفسي أي : بعدم القيام لوظيفة شكر الإنعام ، ولو بغفلة أو خطرة أو نظرة ( ) ففيه إشعار للاعتراف بتقصيره مع إنعام الله ، وتكثيره ( ثم ضحك ) أي : فاغفر لي ; فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت علي ( فقلت ) أي : له كما في نسخة ( من أي شيء ضحكت ) وفي نسخة تضحك ، وفي أخرى فقال أي ابن ربيعة من أي شيء ضحكت ، ووجه أنه من قبيل الالتفات للانتقال من التكلم على الغيبة أو من باب النقل بالمعنى للراوي عنه، ثم خطابه بقوله ( يا أمير المؤمنين ) يدل على أن القضية في أيام خلافته ( قال ) أي : علي مجيبا له ( ) أي : قولا ، وفعلا ( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت ) أي : ليرضى ( ثم ضحك ، فقلت : من أي شيء ضحكت يا رسول الله قال : إن ربك ليعجب ) حال من فاعل قال : وأغرب من عبده إذا قال ربي اغفر لي ذنوبي يعلم ميرك في قوله بتقدير قد ; لأن الجملة الحالية إذا كانت فعلية مضارعية مثبتة تتلبس بالضمير وحده لمشابهته لفظا ، ومعنى لاسم الفاعل المستغني عن الواو نحو جاءني زيد يسرع .
قيل وقد سمع بالواو، نعم لا بد في الماضي المثبت من ( قد ) ظاهرة أو مقدرة خلافا للكوفيين بل تقدير قد مضرة هنا كما لا يخفى ، والمعنى قال : رب اغفر لي ذنوبي غير غافل أو جاهل بل حال كونه عالما ( أنه ) أي : الشأن ( ) وفي بعض النسخ أحد غيره ، وهو الظاهر ; لأنه كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا كلامه تعالى كذا ذكره لا يغفر الذنوب أحد غيري الحنفي ، ولعل وجهه أن يجعل ( يعلم ) بدلا من ( يعجب ) أو حالا لازمة من ضميره الراجع على الرب هذا .
وقد قال شارح : التعجب من الله تعالى عبارة عن استعظام الشيء ، ومن ضحك من أمر إنما يضحك منه إذا استعظمه فكأن أمير المؤمنين وافق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو - صلى الله عليه وسلم - وافق الرب تعالى ، انتهى .
وأنت تعلم أن علم العبد بأنه لا يغفر الذنوب إلا ربه ليس مما يستعظم . فالوجه أن يقال لما كان التعجب عليه سبحانه من المحال أريد به غايته ، وهو الرضا ، وهو مستلزم لجزيل الثواب للعبد العاصي ، وهو مقتض لفرح النبي - صلى الله عليه وسلم - الموجب لضحكه ، ولما تذكر ذلك علي كرم الله وجهه اقتضى مزيد فرحه ; فضحك لا أن ضحكه مجرد تقليد ; فإنه غير اختياري ، وإن كان قد يتكلف له لكن لا ينبغي حمل - والولي عليه والله أعلم
ضحك النبي - صلى الله عليه وسلم