- الحديث - وقال البغوي في التهذيب : قيل : كان يحسن الخط ولا يكتب ، ويحسن الشعر ولا يقوله ، والأصح أنه كان لا يحسنهما ، ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه . انتهى .
وادعى بعضهم أنه صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها ، وأن عدم معرفته [ ص: 269 ] كان بسبب المعجزة لقوله تعالى: { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون }فلما نزل القرآن ، واشتهر الإسلام ، وكثر المسلمون ، وظهرت المعجزة ، وأمن الارتياب في ذلك ، عرف حينئذ الكتابة ، وقد روى وغيره من طريق ابن أبي شيبة ، عن مجالد ، عن أبيه قال : " ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ " . قال عون بن عبد الله : فذكرت ذلك مجالد للشعبي فقال : صدق ، قد سمعت أقواما يذكرون ذلك . انتهى قال : وليس في الآية ما ينافي ذلك .
وروى وغيره عن ابن ماجه قال : { أنس }. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا : الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر
قال : والقدرة على قراءة المكتوب فرع معرفة الكتابة ، وأجيب باحتمال أقدار الله له على ذلك بغير تقدمة معرفة الكتابة ، وهو أبلغ في المعجزة ، وباحتمال أن يكون حذف منه شيء ، والتقدير فسألت عن المكتوب فقيل لي : هو كذا ، ومن حديث محمد بن المهاجر ، عن ، عن يونس بن ميسرة أبي كبشة السلولي ، عن سهل بن الحنظلية { أن يكتب معاوية للأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن ، قال عيينة : أتراني أذهب إلى قومي بصحيفة كصحيفة الملتمس ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها ، فقال : قد كتب لك بما أمر فيها }. قال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أحد رواته : فيرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعد ما أنزل عليه . ومن الحجة في ذلك ظاهر ما أخرجه يونس بن ميسرة في قصة صلح البخاري الحديبية من حديث : { البراء محمد بن عبد الله } - الحديث - وكذا أخرجه فأخذ الكتاب فكتب : هذا ما قاضى عليه الإسماعيلي في مستخرجه .
وقال أبو الخطاب بن دحية : صار بعض الناس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 270 ] كتب ، منهم ، أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري ، ، وصنف فيه كتابا ، قال : وسبق إلى ذلك وأبو الوليد الباجي في كتاب الكتاب له ، فإنه قال فيه : { عمر بن شبة الحديبية }. كتب النبي صلى الله عليه وسلم بيده يوم
وقال أبو بكر بن العربي في سراجه : لما قال أبو الوليد ذلك طعنوا عليه ورموه بالزندقة ، وكان الأمير متثبتا فأحضرهم للمناظرة ، فاستظهر الباجي ببعض الحجة ، وطعن على من خالفه ، ونسبهم إلى عدم معرفة الأصول ، وقال : اكتب إلى العلماء بالآفاق فكتب إلى إفريقية ، وصقلية وغيرهما ، فجاءت الأجوبة بموافقة الباجي ، ومحصل ما تواردوا عليه أن معرفته الكتابة بعد أميته لا ينافي المعجزة ، بل تكون معجزة أخرى ، لأنهم بعد أن تحققوا أميته وعرفوا معجزته بذلك ، وعليه تنزل الآية السابقة ، صار بعد ذلك يعلم الكتابة بغير تقدم تعليم ، فكانت معجزة أخرى ، وعليه ينزل حديث . انتهى . البراء
وقد رد أبو محمد بن معور على ، وبين خطأه في هذه المسألة في تصنيف مفرد ، ووقع أبي الوليد الباجي لأبي محمد الهواري معه قصة في منام رآه ، ملخصه : أنه كان يرى مما قال الباجي ، فرأى في النوم قبر النبي صلى الله عليه وسلم ينشق ويميد ولا يستقر ، فاندهش لذلك ، وقال في نفسه : لعل هذا بسبب اعتقادي ، ثم عقدت التوبة مع نفسي فسكن واستقر ، فلما استيقظ قص الرؤيا على ابن معور فعبرها له كذلك ، واستظهر بقوله تعالى : { تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا }الآيات ، ومحصل ما أجاب به الباجي عن ظاهر حديث أن القصة واحدة ، والكاتب فيها كان البراء ، وقد وقع في رواية أخرى علي بن أبي طالب من حديث للبخاري أيضا بلفظ : { البراء الحديبية ، كتب علي بينهم كتابا ، فكتب : محمد رسول الله }. لما صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل
فتحمل الرواية الأولى على أن معنى قوله : فكتب ، أي فأمر الكاتب ، ويدل عليه رواية المسور في الصحيح أيضا في هذه القصة ، ففيها : { محمد بن عبد الله }. والله وإني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب :
وقد ورد في كثير من الأحاديث في [ ص: 271 ] الصحيح وغيره إطلاق لفظ كتب بمعنى أمر .
منها : حديث أن { ابن عباس }. النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر
وحديثه : { النجاشي }. كتب إلى
وحديثه : { كسرى }. كتب إلى
وحديث عبد الله بن عكيم كتب إلينا رسول الله .
وغير هذه الأحاديث كلها محمولة على أنه أمر الكاتب ، ويشعر بذلك هنا قوله في بعض طرقه لما { محمد رسول الله قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أرني فمحاه }. امتنع الكاتب أن يمحو لفظ
فإن ظاهره أنه لو كان يعرف الكتابة لما احتاج إلى قوله : { }فكأنه أراه الموضع الذي أبى أن يمحوه ، فمحاه هو صلى الله عليه وسلم بيده ، ثم ناوله أرني فكتب بأمره : ابن لعلي عبد الله ، بدل : رسول الله ، وأجاب بعضهم على تقدير حمله على ظاهره ، أنه كتب ذلك اليوم غير عالم بالكتابة ، ولا بتمييز حروفها ، لكنه أخذ القلم بيده فخط به ، فإذا هو كتابة ظاهرة على حسب المراد ، وذهب إلى هذا القاضي أبو جعفر السمناني ، وأجاب بعضهم بأنه ليس في ظاهر الحديث إلا أنه كتب محمد بن عبد الله ، وهذا لا يمتنع أن يكتبه الأمي كما يكتب الملوك علامتهم وهم أميون .
1547 - ( 9 ) - [ فصل ] وأما الشعر فكان نظمه محرما عليه باتفاق ، لكن فرق وغيره بين الرجز وغيره من البحور ، فقال : يجوز له الرجز دون غيره ، وفيه نظر ، فإن الأكثر على أن الرجز ضرب من الشعر ، وإنما ادعى أنه ليس بشعر البيهقي الأخفش ، وأنكره ابن القطان وغيره ، وإنما جرى لذلك ثبوت قوله صلى الله عليه وسلم يوم البيهقي حنين : { ابن عبد المطلب }. أنا النبي لا كذب ، أنا
فإنه من بحور الرجز ، ولا جائز أن يكون مما تمثل به كما سيأتي لأن غيره : لا يقول : أنا النبي ، ويزيل عنه الإشكال أحد أمرين : إما أنه لم يقصد الشعر فخرج موزونا ، وقد ادعى ابن القطان وأقره النووي الإجماع على أن شرط تسمية الكلام شعرا أن يقصد له قائله ، وعلى ذلك يحمل ما ورد في القرآن والسنة ، وإما أن يكون القائل الأول قال : أنت النبي لا كذب ، فلما تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم غيره ، والأول أولى هذا كله في إنشائه ، ويتأيد ما ذهب إليه بما أخرجه البيهقي ابن سعد بسند صحيح ، عن ، عن معمر ; قال : لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من الشعر قيل قبله ، أو يروى عن غيره ، إلا هذا ، وهذا يعارض ما في الصحيح عن الزهري [ ص: 272 ] أيضا : لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات ، زاد الزهري ابن عائذ من وجه آخر عن إلا الأبيات التي كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبناء المسجد ، وأما إنشاده متمثلا فجائز ، ويدل عليه حديث الزهري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عبد الله بن عمرو }أخرجه ما أبالي شربت ترياقا ، أو تعلقت بتميمة ، أو قلت الشعر من قبل نفسي أبو داود وغيره ، فقوله : { }احتراز عما إذا أنشده متمثلا ، وقد وقع في الأحاديث الصحيحة من ذلك ، كقوله : أصدق كلمة قالها الشاعر قول من قبل نفسي لبيد ،
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
متفق عليه من حديث ، وحديث أبي هريرة : { عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشعر ابن رواحة }.وحديثها : { طرفة : ويأتيك بالأخبار من لم تزود }. صححه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراب الخبر يتمثل بقول الترمذي ، وأخرجه من حديث البزار أيضا ، وأما ما أخرجه ابن عباس ابن أبي حاتم وغيره من مرسل ، { الحسن البصري
كفى بالإسلام والشيب ناهيا
، فقال له : كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ، فأعادها كالأول ، فقال : أشهد أنك رسول الله ، وما علمناه الشعر وما ينبغي له أبو بكر }. فهو مع إرساله فيه ضعف ، وهو راويه عن أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت : الحسن : ، وأما ما رواه علي بن زيد بن جدعان في الدلائل : { البيهقي للعباس بن مرداس : أنت القائل :أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة
، فقال : [ ص: 273 ] إنما هو بين عيينة والأقرع ، فقال : هما سواء }. أنه صلى الله عليه وسلم قالفإن السهيلي قال في الروض : إنه صلى الله عليه وسلم قدم الأقرع ، على عيينة ، لأن عيينة وقع له أنه ارتد ولم يقع ذلك للأقرع .
وروى الحاكم والبيهقي من طريق والخطيب عبد الله بن مالك النحوي مؤدب القاسم بن عبيد الله ، عن علي بن عمرو الأنصاري ، عن ، عن ابن عيينة ، عن الزهري عروة ، عن قالت : { عائشة
تفاءل بما تهوى يكن فلقل ما يقال لشيء كان إلا تحقق
والله أعلم .