الفائدة الثالثة
في الفرض والبناء
قالوا : إنه يجوز للمستدل في الاستدلال ثلاث طرق :
( الأولى ) : أن يدل على المسألة بعينها .
( والثانية ) : أن يفرض الدلالة في بعض شعبها وفصولها .
( والثالثة ) : أن يبني المسألة على غيرها .
فإن استدل عليها بعينها فواضح ، وإن أراد أن يفرض الكلام في بعض أحوالها جاز ; لأنه إذا كان الخلاف في الكل ، وثبت الدليل في بعضها ، ثبت في الباقي بالإجماع ، وإن أراد أن يفرض الدلالة في غير فرد من أفراد المسألة لم يجز .
وأما إذا أراد أن يبني المسألة على غيرها ، فإما أن يبنيها على مسألة أصولية ، وإما أن يبنيها على مسألة فرعية ، وعلى التقديرين إما أن يكون طريقها واحدة ، أو مختلفة ، فإن كانت واحدة جاز ، وإن كانت مختلفة لم يجز ، وهذا قول جمهور أهل الجدل .
وقال : لا يجوز الفرض والبناء ; لأن حق الجواب أن يطابق السؤال . ابن فورك
وقال : إنما يجوز إذا كانت علة الفرض شاملة لسائر الأطراف . إمام الحرمين
قال : والمستحسن منه هو الواقع في طرف يشتمل عليه عموم سؤال السائل ، وذلك محمول على استشعار انتشار الكلام في جميع الأطراف ، وعدم وفاء مجلس واحد باستتمام الكلام فيها .
وحاصله : إن ظهر انتظام العلة العامة في الصورتين ; كان مستحسنا ، وإلا كان مستهجنا ، وفائدته كون العلة قد تخفى في بعض الصور ، وتظهر في بعض آخر ، فالتفاوت بالأولية خاصة ، والعلة واحدة .