الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة الرابعة عشرة : التخصيص بالغاية

                        وهي نهاية الشيء المقتضية لثبوت الحكم قبلها ، وانتفائه بعدها ، ولها لفظان ، وهما ( حتى ، وإلى ) كقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن ، وقوله وأيديكم إلى المرافق .

                        قال الرازي في المحصول : التقييد بالغاية يقتضي أن يكون الحكم فيما وراء الغاية بالخلاف ; لأن الحكم لو بقي فيما وراء الغاية لم تكن الغاية مقطعا فلم تكن الغاية غاية ، قال : ويجوز اجتماع الغايتين ، كما لو قيل : لا تقربوهن حتى يطهرن وحتى يغتسلن ، فهاهنا الغاية في الحقيقة هي الأخيرة ، وعبر عن الأولى بالغاية مجازا لقربها [ ص: 440 ] منها ، واتصالها بها .

                        قال الزركشي : ونوزع بأن هاتين غايتين لشيئين ; لأن التحريم الناشيء عن دم الحيض غاية انقطاع الدم ، فإذا انقطع حدث تحريم آخر ، ناشئ عن دم الغسل ، والغاية الثانية غاية هذا التحريم .

                        وقد أطلق الأصوليون كون الغاية من المخصصات ، ولم يقيدوا ذلك ، وقيد ذلك بعض المتأخرين بالغاية التي تقدمها لفظ يشملها ، لو لم يؤت بها ، كقوله تعالى : حتى يعطوا الجزية فإن هذه الغاية لو لم يؤت بها لقاتلنا المشركين ، أعطوا الجزية ، أو لم يعطوها .

                        واختلفوا في الغاية نفسها ، هل تدخل في المغيا ، كقولك : أكلت حتى قمت ، هل يكون القيام محلا للأكل أم لا ، وفي ذلك مذاهب :

                        الأول : أنها تدخل فيما قبلها .

                        والثاني : لا تدخل ، وبه قال الجمهور ، كما حكاه في البرهان .

                        والثالث : إن كانت من جنسه دخلت ، وإلا فلا ، وحكاه أبو إسحاق المروزي عن المبرد .

                        والرابع : إن تميزت عما قبلها بالحس نحو أتموا الصيام إلى الليل لم تدخل ، وإن لم تتميز بالحس مثل وأيديكم إلى المرافق دخلت الغاية ، وهي المرافق ، ورجح هذا الفخر الرازي .

                        والخامس : إن اقترنت بمن لم يدخل نحو : بعتك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة ، لم تدخل ، وإن لم تقترن جاز أن تكون تحديدا ، وأن تكون بمعنى مع ، وحكاه إمام الحرمين في البرهان عن سيبويه ، وأنكره عليه ابن خروف ، وقال لم يذكر سيبويه منهما حرفا ، ولا هو مذهبه .

                        [ ص: 441 ] والسادس : الوقف ، واختاره الآمدي .

                        وهذه المذاهب في غاية الانتهاء .

                        وأما في غاية الابتداء ففيها مذهبان : الدخول وعدمه .

                        وجعل الأصفهاني الخلاف في الغايتين غاية الابتداء ، وغاية الانتهاء على السواء ، فقال : وفيها مذاهب تدخلان ، ولا تدخلان ، وتدخل غاية الابتداء دون الانتهاء ، وتدخلان إن اتحد الجنس لا إن اختلف ، وتدخلان إن لم يتميز ما بعدهما عما قبلهما بالحس ، وإلا لم تدخلا فيما قبلهما وفيما قاله نظر ، بل الظاهر أن الأقوال المتقدمة هي في غاية الانتهاء لا في غاية الابتداء .

                        وأظهر الأقوال وأوضحها عدم الدخول إلا بدليل من غير فرق بين غاية الابتداء والانتهاء .

                        والكلام في الغاية الواقعة بعد متعدد كما تقدم في الاستثناء .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية