الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 327 ] الفصل العاشر : في كون الأمر بالماهية الكلية يقتضي الأمر بها أو بشيء من جزئياتها

                        اختلفوا هل الأمر بالماهية الكلية يقتضي الأمر بها ، أو بشيء من جزئياتها على التعيين ، أم هو أمر بفعل مطلق تصدق عليه الماهية ، ويخبر ويخبر به عنها صدق صدق الكلي على جزئياته من غير تعيين ؟ ؟

                        فذهب الجمهور إلى الثاني .

                        وقال بعض الشافعية بالأول . احتج الأولون : بأن الماهية الكلية يستحيل وجودها في الأعيان فلا تطلب تطلب ، وإلا امتنع الامتثال ، وهو خلاف الإجماع .

                        ووجه ذلك : أنها لو وجدت وجدت في الأعيان لزم تعددها كلية في ضمن الجزئية ، فمن حيث إأنها موجودة تكون شخصية جزئية ، ومن حيث إنها الماهية الكلية تكون كلية ، وأإنه محال ، فمن قال لآخر بع هذا الثوب ، فإن هذا لا يكون أمرا ببيعه بالغبن ، ولا بالثمن الزائد ، ولا بالثمن المساوي ; لأن هذه الأنواع مشتركة في مسمى البيع ، وتمييزه وتمييزه كل واحد منها بخصوص كونه بالغبن ، أو بالثمن الزائد ، أو المساوي ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، وغير مستلزم له ، فالأمر بالبيع الذي هو جهة الاشتراك لا يكون أمرا بما به يمتاز كل واحد من من الأنواع عن الآخر ، بالذات ولا بالاستلزام ، وإذا كان كذلك فالأمر بالجنس لا يكون األبتة أمرا بشيء من أنواعه ، لكن إذا دلت القرينة على إرادة بعض الأنواع حمل حمل اللفظ عليه .

                        قال في المحصول : وهذه قاعدة شريفة برهانية ينحل بها كثير من من القواعد الفقهية إن شاء الله .

                        ومما يوضح المقام ، ويحصل به المرام من هذا الكلام ما ذكره أهل علم المعقول من أن الماهيات ثلاث :

                        [ ص: 328 ] الأول : الماهية لا بشرط شيء من القيود ، ولا بشرط عدمها ، وهي التي يسميها أهل المنطق الماهية المطلقة ، ويسمونها الكلي الطبيعي ، والخلاف في وجودها في الخارج معروف ، والحق أن وجود الطبيعي بمعنى وجود أشخاصه .

                        والثانية : الماهية بشرط لا شيء ، أي بشرط خلوها عن القيود ، ويسمونها الماهية المجردة ، ولا خلاف بينهم في أنها لا توجد في الخارج .

                        والثالثة : الماهية بشرط شيء من القيود ، ولا خلاف في وجودها في الخارج .

                        وتحقيقه أن الماهية قد تؤخذ بشرط أن تكون مع بعض العوارض كالإنسان بقيد الوحدة ، فلا يصدق يصدق على المتعدد وبالعكس ، وكالمقيد بهذا الشخص ، فلا يصدق يصدق على فرد آخر ، وتسمى الماهية المخلوطة ، والماهية بشرط شيء ، ولا ارتياب في وجودها في الأعيان ، وقد تؤخذ بشرط التجرد عن جميع العوارض ، وتسمى المجردة ، والماهية بشرط لا شيء ، ولا خفاء في أنها لا توجد في الأعيان ، بل في الأذهان ، وقد تؤخذ لا بشرط أن تكون مقارنة أو مجردة ، بل مع تجويز أن يقارنها شيء من العوارض ، وأن لا يقارنها يقارنها ، وتكون مقولا على المجموع حال المقارنة ، وهي الكلي الطبيعي ، والماهية لا بشرط شيء ، والحق وجودها في الأعيان لكن لا من حيث كونها كونها جزءا من الجزئيات المحققة على ما هو رأي الأكثرين ، بل من حيث إنه يوجد شيء تصدق تصدق هي عليه ، وتكون عينه بحسب بحسب الخارج ، وإن تغايرا بحسب بحسب المفهوم وبمجموع ما ذكرناه يظهر لك بطلان قول من قال : إن الأمر بالماهية الكلية يقتضي الأمر بها ، ولم يأتوا بدليل يدل على ذلك دلالة مقبولة .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية