الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1347 17 - حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبو عاصم النبيل ، قال : أخبرنا سعدان بن بشر قال : حدثنا أبو مجاهد قال : حدثنا محل بن خليفة الطائي ، قال : سمعت عدي بن حاتم - رضي الله عنه - يقول : كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجلان ، أحدهما يشكو العيلة ، والآخر يشكو قطع [ ص: 273 ] السبيل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير ، وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ، ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ، ولا ترجمان يترجم له ، ثم ليقولن له ألم أوتك مالا ، فليقولن بلى ، ثم ليقولن ألم أرسل إليك رسولا ، فليقولن بلى ، فينظر عن يمينه ، فلا يرى إلا النار ، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار ، فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله " فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ستة : الأول : عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر الجعفي المعروف بالمسندي ، وقد مر . الثاني : أبو عاصم الضحاك بن مخلد الملقب بالنبيل ، وقد تكرر ذكره . الثالث : سعدان بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة الجهني . الرابع : أبو مجاهد اسمه سعد الطائي . الخامس : محل بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام ابن خليفة الطائي . السادس : عدي بن حاتم الطائي .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه : الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد .

                                                                                                                                                                                  وفيه : السماع .

                                                                                                                                                                                  وفيه : القول في موضعين .

                                                                                                                                                                                  وفيه : أن شيخه بخاري ومن أفراده .

                                                                                                                                                                                  وفيه : أن شيخ شيخه شيخه أيضا ; لأنه روى عنه ، وأنه بصري وأن سعدان من أفراده ، وأنه كوفي وأن لفظ سعدان لقبه واسمه سعدوان أبا مجاهد أيضا من أفراده ، وأنه طائي وأن محل بن خليفة كوفي ، وأنه من أفراده ، قال الكرماني : وجده عدي بن حاتم ، ثم قال : وفي الإسناد ثلاثة طائيون .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة ، عن محمد بن الحكم ، عن النضر بن شميل وأخرجه النسائي في الزكاة ، عن نضر بن علي الجهضمي مختصرا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " يشكو العيلة " بفتح العين المهملة ، أي : الفقر من عال إذا افتقر ، قال الجوهري : يقال عال يعيل عيلة وعيولا إذا افتقر ، قال تعالى : وإن خفتم عيلة وهو عائل ، وقوم عيلة ، وترك أولاده يتامى عيلى ، أي : فقراء ، وذكره في الأجوف اليائي ، وأما عال عياله عولا وعيالة ، أي : قاتهم ومانهم وأنفق عليهم ، فهو من الأجوف الواوي ، وقال ابن قرقول : وأصله من العول ، وهو القوت ومنه قوله : " وابدأ بمن تعول " ، أي : بمن تقوت قوله : " قطع السبيل " هو من فساد السراق واللصوص ، كذا قاله الكرماني .

                                                                                                                                                                                  وفيه نظر ; لأن قطع السبيل لا يكون إلا من قطاع الطريق جهرا والسارق لا يأخذ جهرا ، وكذلك اللص ، قوله : " العير " بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف : الإبل التي تحمل الميرة .

                                                                                                                                                                                  وفي المطالع العير القافلة ، وهي الإبل والدواب تحمل الطعام وغيره من التجارة ، ولا تسمى عيرا إلا إذا كانت كذلك ، وقال ابن الأثير : العير الإبل بأحمالها ، فعل من عار يعير إذا سار . وقيل : هي قافلة الحمير ، فكثرت حتى سميت بها كل قافلة ، كأنها جمع عير ، وكان قياسها أن يكون فعلا بالضم كسقف في سقف ، إلا أنه حوفظ على الياء بالكسرة نحو عين ، قوله : " خفير " بفتح الخاء المعجمة وكسر الفاء ، وهو المجير الذي يكون القوم في ضمانه وذمته ، وقال الكرماني : والمراد منه حتى تخرج القافلة من الشام والعراق ونحوهما إلى مكة بغير البدرقة .

                                                                                                                                                                                  وفي الصحاح خفرت الرجل أخفره بالكسر خفرا : إذا آجرته وكنت له خفيرا تمنعه ، قال الأصمعي : وكذلك خفرته تخفيرا وأخفرته : إذا نقضت عهده وغدرت به ، قوله : " بين يدي الله " هو من المتشابهات والأمة في أمثالها كاليمين ، ونحوه طائفتان المفوضة والمؤولة بما يناسبها ، قوله : " ولا ترجمان " بضم التاء وفتحها ، والجيم مضمومة فيهما والتاء فيه أصلية ، وقال الجوهري : زائدة ، وقال : هو نحو الزعفران ، فالجيم مفتوحة .

                                                                                                                                                                                  هذا على جهة التمثيل ليفهم الخطاب أن الله تعالى لا يحيط به شيء ، ولا يحجبه حجاب ، وإنما يستتر تعالى عن أبصارنا بما وضع فيها من الحجب للعجز عن الإدراك في الدنيا [ ص: 274 ] فإذا كان يوم القيامة كشف تلك الحجب ، عن أبصارنا وقواها حتى نراه معاينة كما نرى القمر ليلة البدر ، كما ثبت في الأحاديث الصحاح قوله : " فليتقين " أمر مؤكد بالنون الثقيلة دخلت عليه اللام ، قوله : " ولو بشق تمرة " بكسر الشين ، معناه : لا تحقروا شيئا من المعروف ولو كان بشق تمرة ، أي : بنصفها ، قوله : " فإن لم يجد " ، أي : فإن لم يجد أحدكم شيئا يتصدق به على المحتاج فليرده بكلمة طيبة ، وهي التي فيها تطييب قلبه ، فدل على أن الكلمة الطيبة يتقى بها كما أن الكلمة الخبيثة مستوجب بها النار .

                                                                                                                                                                                  وفيه : حث على الصدقة ، وأن لا يحقر شيئا من الخير ، قولا وفعلا وإن قل .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية