الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الرابعة : التقاط الصبي ، فيه طريقان كالفاسق . والمذهب صحته كاحتطابه واصطياده ، فإن صححناه فلم يعلم به الولي ، وأتلفه الصبي ، ضمن . وإن تلف في يده ، فوجهان . أصحهما : لا ضمان عليه كما لو أودع مالا فتلف عنده . وتسليط الشرع له على الالتقاط ، كتسليط المودع . والثاني : يضمن لضعف أهليته ، فإنه لا يقر في يده . فإن علم به الولي ، فينبغي أن ينتزعه من يده ، ويعرفه . ثم إن رأى المصلحة في تملكه للصبي ، جاز حيث يجوز الاستقراض عليه . وقال ابن الصباغ : عندي يجوز التملك له ، وإن لم يجز الاقتراض ، لأنه على هذا القول ملحق بالاكتساب .

                                                                                                                                                                        [ ص: 401 ] قلت : هذا الذي قاله ابن الصباغ ، كما هو شذوذ عن الأصحاب ، فهو ضعيف دليلا ، فإنه اقتراض . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإن لم ير التملك له ، حفظه أمانة ، أو سلمه إلى القاضي . وإذا احتاج التعريف إلى مؤنة ، لم يصرفها من مال الصبي ، بل يرفع الأمر إلى القاضي ليبيع جزءا من اللقطة لمؤنة التعريف . ويجيء وجه مما سنذكره - إن شاء الله تعالى - في التقاط الشاة : أنه يبيع بنفسه ، ولا يحتاج إلى إذن الحاكم . ولو تلفت اللقطة في يد الصبي قبل الانتزاع بغير تفريط ، فلا ضمان . وإن قصر الولي بتركها في يده حتى تلفت ، أو أتلفها ، لزم الولي الضمان من مال نفسه ، وشبهوه بما إذا احتطب الصبي وتركه الولي في يده حتى تلف ، أو أتلفه الصبي ، يجب الضمان على الولي ، لأن عليه حفظ الصبي عن مثله . قال البغوي : ثم يعرف التالف ، وبعد التعريف يتملك للصبي إن كان في التملك مصلحة ، ويشبه أن يكون هذا فيما إذا وجد قبض من جهة القاضي ليصير المقبوض ملكا للملتقط ، أو إفرازا من جهة الولي إذا قلنا : إن من التقط شاة وأكلها يفرز بنفسه قيمتها من ماله . فأما الضمان في الذمة ، فلا يمكن تملكه للصبي . أما إذا قلنا : لا يصح التقاط الصبي ، فإذا التقط وتلفت في يده أو أتلفها ، وجب الضمان في ماله ، وليس للولي أن يقرها في يده ، بل يسعى في انتزاعها ، فإن أمكنه رفع الأمر إلى القاضي ، فعل ، وإن انتزع الحاكم ، ففي براءة الصبي عن الضمان الخلاف المذكور في انتزاع القاضي المغصوب من الغاصب ، وأولى بحصول البراءة نظرا للطفل . إن لم يمكنه رفع الأمر إلى القاضي ، أخذه بنفسه ، وتبنى براءة الصبي عن الضمان على الخلاف في براءة الغاصب بأخذ الآحاد .

                                                                                                                                                                        [ ص: 402 ] فإن لم تحصل البراءة ، ففائدة الأخذ صون عين المال عن التضييع ، والإتلاف . قال المتولي : وإذا أخذه الولي ، فإن أمكنه التسليم إلى القاضي فلم يفعل حتى تلف ، لزمه الضمان ، وإلا ، فقرار الضمان على الصبي . وفي كون الولي طريقا ، وجهان . وهذا إذا أخذ الولي لا على قصد الالتقاط . أما إذا قصد ابتداء الالتقاط ، ففيه وجهان ، وليكونا كالخلاف في الأخذ من العبد على هذا القصد إذا لم نصحح التقاطه . ولو قصر الولي وترك المال في يده ، قال المتولي : لا ضمان عليه إذا تلف ، لأنه لم يحصل في يده ، ولا حق للصبي فيه حتى يلزمه حفظه ، بخلاف ما إذا فرعنا على القول الأول . وخصص الإمام هذا الجواب بما إذا قلنا : إن أخذه لا يبرئ الصبي . أما إذا قلنا : يبرئ ، فعليه الضمان لتركه الصبي في ورطة الضمان ، ويجوز أن يضمن . وإن قلنا : إن أخذه لا يبرئ الصبي لأن المال في يد الصبي معرض للضياع ، فحق أن يصونه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المجنون كالصبي في الالتقاط ، وكذا المحجور عليه بسفه ، إلا أنه يصح تعريفه ، ولا يصح تعريف الصبي والمجنون .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية