الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني : في الاختلاف ، وفيه مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : ادعى العامل تلف المال ، صدق بيمينه ، فلو ذكر سبب التلف ، فسيأتي بيانه في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        الثانية : لو ادعى الرد ، صدق بيمينه على الأصح .

                                                                                                                                                                        الثالثة : قال : ما ربحت ، أو ما ربحت إلا ألفا ، فقال المالك : ألفين ، صدق العامل بيمينه . فلو قال : ربحت كذا ، ثم قال : غلطت في الحساب ، إنما الربح كذا ، أو تبينت أن لا ربح ، أو [ قال ] : كذبت فيما قلت خوفا من انتزاع المال من يدي ، لم يقبل قوله . ولو قال : خسرت بعد الربح الذي أخبرت عنه ، قبل منه . قال المتولي وذلك عند الاحتمال ، بأن حدث كساد فإن لم يحتمل لم يقبل . ولو ادعى الخسارة عند الاحتمال ، أو التلف بعد قوله : كنت كاذبا فيما قلت ، قبل أيضا ، ولا تبطل أمانته بذلك القول السابق ، هكذا نص عليه ، وقاله الأصحاب .

                                                                                                                                                                        [ ص: 146 ] الرابعة : قال : اشتريت هذا للقراض ، فقال المالك : بل لنفسك ، فالقول قول العامل على المشهور ، وفي قول : قول المالك ، لأن الأصل عدم وقوعه عن القراض . ولو قال : اشتريته لنفسي ، فقال : بل للقراض ، صدق العامل بيمينه قطعا . فلو أقام المالك بينة أنه اشتراه بمال القراض ، ففي الحكم بها وجهان . وجه المنع : أنه قد يشتري لنفسه بمال القراض عدوانا ، فيبطل العقد .

                                                                                                                                                                        الخامسة : قال المالك : كنت نهيتك عن شراء هذا ، فقال : لم تنهني ، صدق العامل .

                                                                                                                                                                        السادسة : قال : شرطت لي نصف الربح ، فقال : بل ثلثه ، تحالفا كالمتبايعين ، فإذا حلفا ، فسخ العقد ، واختص الربح والخسران بالمالك ، وللعامل أجرة مثل عمله . وفي وجه : أنها إن كانت أكثر من نصف الربح ، فليس له إلا قدر النصف ، لأنه لا يدعي أكثر .

                                                                                                                                                                        قلت : وإذا تحالفا ، فهل ينفسخ بنفس التحالف ، أم بالفسخ ؟ حكمه حكم البيع كما مضى ، قاله في البيان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        السابعة : اختلفا في قدر رأس المال ، فالقول قول العامل إن لم يكن في المال ربح ، [ وكذا إن لم يكن على الأصح . وقيل : يتحالفان . ولو قارض رجلين على أن نصف الربح له ، والباقي بينهما سواء ، فربحا ، ثم قال المالك : دفعت إليكما ألفين ، وصدقه أحدهما ، وقال الآخر : بل ألفا ، لزم المقر ما أقر به ، وحلف الآخر وقضي له بموجب قوله . ولو كان الحاصل ألفين ، أخذ المنكر ربع الألف الزائد على ما أقر به ، والباقي يأخذه المالك . ولو كان الحاصل ثلاثة آلاف ، فالمنكر يزعم أن الربح ألفان له منهما خمسمائة ، فتسلم له ، ويأخذ المالك من الباقي ألفين عن رأس المال ، يبقى خمسمائة يتقاسماها - المالك والمقر - أثلاثا ، لاتفاقهم على أن ما يأخذه [ ص: 147 ] المالك مثلا ما يأخذه كل عامل ، وما أخذه المنكر ، كالتالف . ولو قال المالك : رأس المال دنانير ، فقال العامل : بل دراهم ، صدق العامل .

                                                                                                                                                                        الثامنة : اختلفا في أصل القراض ، فقال المالك : دفعت إليك لتشتري لي بالوكالة ، وقال القابض : بل قارضتني ، فالمصدق المالك . فإذا حلف أخذ المال وربحه ، ولا شيء عليه للآخر .

                                                                                                                                                                        قلت : لو دفع إليه ألفا ، فتلف في يده ، فقال : دفعته قرضا ، فقال العامل : بل قراضا ، قال في " العدة " و " البيان " : بينة العامل أولى في أحد الوجهين . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية